الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 7341 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو جعفر محمد بن حاتم ، حدثنا فتح بن [ ص: 174 ] عمرو ، حدثنا أبو أسامة ، أخبرنا المفضل بن مهلهل ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن آخر ما يبقى من النبوة الأولى ، إذا لم تستح فاصنع ما شئت " .

قال أبو أسامة يقول : استكثر من الخير ما استطعت .

قال الإمام أحمد : وقرأت في " كتاب الغريبين " في معنى هذا الحديث ، قال : هذا أمر معناه الخبر ، كأنه قال : من لم يستح صنع ما شاء ، ومثله قوله : " فليتبوأ مقعده من النار " .

قال : وقال ثعلب : هذا على الوعيد معناه : إذا لم تستح فاصنع ما شئت فإن الله مجازيك ، ومثله قوله تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) .

قال أبو سليمان الخطابي : معنى قوله : " النبوة الأولى " أن الحياء لم يزل ممدوحا على ألسن الأنبياء والمرسلين الأولين ، ومأمورا به ، لم ينسخ فيما نسخ من الشرائع ، فالأولون والآخرون فيه على منهاج واحد .

وقوله : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " لفظه لفظ أمر ، ومعناه الخبر ، يقول : إذا لم يكن لك حياء يمنعك من القبيح ، صنعت ما شئت ، يريد ما تأمرك به النفس وتحملك عليه مما لا يحمد عاقبته ، وحقيقته من لم يستح صنع كما شاء .

وفيه وجه آخر : هو أن يكون أراد به افعل ما شئت من شيء لا يستحيا منه ، أي [ ص: 175 ] ما يستحيا منه فلا تفعله ، وفيه وجه ثالث : وهو أن يكون معناه الوعيد ، لقوله عز وجل : ( اعملوا ما شئتم ) .

قال الإمام أحمد : وهذه الأقاويل التي حكيناها متفقة في المعنى ، وإن كانت مختلفة في اللفظ .

وقال الحليمي رحمه الله : وإذا حافظ على الجماعة حياء من الناس ، فهي على وجهين :

أحدهما : أن يخاف ذم الجيران إياه ، فلا يفارق المسجد ليحمدوه ، وليثنوا عليه خيرا ، فهذا رياء فليس بمحمود .

والآخر أن يكون حياؤه من الله عز وجل بالحقيقة ، فيخشى أنه إن فارق الجماعة كان من عاجل عقوبة الله إياه أن يبسط المسلمون فيه ألسنتهم بالذم ، وإن كان معها كان من عاجل ما يثيبه الله تعالى به أن يطلق المسلمون ألسنتهم فيه بالمدح ، فيكون خوفه ذم الناس وحبه مدحهم متعلقا بالله عز وجل لا بغيره ، فهذا محمود .

ويستحي الولد من الوالد ، والمرأة من زوجها ، والجاهل من العالم ، والصغير من الكبير ، والواحد من الجماعة ، فيريد الأدون أن يعمل على عين الأكمل عملا من حقوق الناس بحق مثله للأكمل ، فيخاف أن يقع منه على وجه يذمه فيدعه ، فذاك استحياؤه ، وهذا أيضا محمود ؛ لأن فيه مراعاة الناقص حق الكامل وإذعانه لهم لأجل الفضل الذي يعلمه له على نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية