الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(57) السابع والخمسون من شعب الإيمان " وهو باب في حسن الخلق " .

ودخل في هذا كظم الغيظ ، ولين الجانب ، والتواضع .قال الإمام أحمد : ومعنى حسن الخلق سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال ، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى ، وقد يكون فيما بين الناس ، وهو في ذات الله - عز وجل - أن يكون العبد منشرح الصدر بأوامر الله ونواهيه ، يفعل ما فرض عليه طيب النفس به ، سلسا نحوه ، وينتهي عما حرم عليه ، واسعا به صدره ، غير متضجر منه ، ويرغب في نوافل الخير ، وترك كثيرا من المباح لوجه الله تعالى إذا رأى أن تركه أقرب إلى العبودية من فعله ، متبشرا لذلك غير ضجر منه ، ولا متعسر به ، وهو في المعاملات بين الناس أن يكون سمحا بحقوقه لا يطالب غيره بها ، ويوفي ما يجب لغيره عليها منه ، فإن مرض فلم يعد ، أو قدم من سفر فلم يزر ، أو سلم فلم يرد عليه ، أو ضاف فلم يكرم ، أو شفع فلم يجب ، أو أحسن فلم يشكر ، أو دخل على قوم فلم يمكن ، أو تكلم فلم ينصت له ، أو استأذن على صديق فلم يؤذن له ، أو خطب فلم يزوج ، أو استمهل الدين فلم يمهل ، أو استنقص فلم ينقص ، وما أشبه ذلك لم يغضب ، ولم يعاقب ، ولم يتنكر من حاله حال ، ولم يستشعر في نفسه أنه قد جفا [ ص: 351 ] وأوحش ، وأنه يقابل كل ذلك إذا وجد السبيل إليه بمثله ، بل يضمر أنه لا يعتد بشيء من ذلك ، ويقابل كل ذلك إذا وجد السبيل إليه بمثله ، بل يضمر أنه لا يعتد بشيء من ذلك ويقابل كلا منه بما هو أحسن وأفضل ، وأقرب إلى البر والتقوى ، وأشبه بما يحمد ويرضى ، ثم يكون في إيفاء ما يكون عليه ، كهو في حط ما يكون له ، فإذا مرض أخوه المسلم عاده ، وإن جاءه في شفاعة شفعه ، وإن استمهله في قضاء دين أمهله ، وإن احتاج منه إلى معونة أعانه ، وإن استسمحه في بيع سمح له ، ولا ينظر إلى أن الذي عامله كيف كانت معاملته إياه فيما خلا ، أو كيف يعامل الناس ، إنما يتخذ الأحسن إماما لنفسه ، فينحو نحوه ولا يخالفه .

والخلق الحسن قد يكون غريزة ، وقد يكون مكتسبا ، وإنما يصح اكتسابه لمن كان في غريزته أصل منه ، فهو يضم باكتسابه إليه ما يتممه ، ومعلوم في العادات أن ذا الرأي يزداد بمجالسة أولي الأحلام والنهى رأيا ، وأن العالم يزداد بمخالطة العلماء علما ، وكذلك الصالح والعاقل بمجالسة الصلحاء والعقلاء ، فلا ينكر أن يكون ذو الخلق الجميل يزداد حسن الخلق بمجالسة أولي الأخلاق الحسنة ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية