الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 7152 ] أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب ، أخبرنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا داود الجعفري ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن حذيفة بن اليمان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم " .

قال الإمام أحمد رحمه الله : فثبت بالكتاب والسنة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم إن الله - تعالى - جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فرق ما بين المؤمنين والمنافقين ؛ لأنه قال : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ) .

وقال : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) .

فثبت بذلك أن أخص أوصاف المؤمنين وأقواها دلالة على صحة عقدهم ، وسلامة سريرتهم ، هو الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ثم إن ذلك ليس يليق بكل أحد ، ولا يجب على كل أحد ، وإنما هو من الفروض التي ينبغي أن يقوم بها سلطان المسلمين ، إذا كانت إقامة الحدود إليه ، والتعزيز موكولا إلى رأيه ، فينصب في كل بلد ، وفي كل قرية رجلا صالحا قويا عالما أمينا ، ويأمره بمراعاة الأحوال التي تجري ، فلا [ ص: 55 ] يرى ولا يسمع منكرا إلا غيره ، ولا يبقي معروفا محتاجا إلى الأمر به إلا أمره ، وكلما وجب على فاسق حد أقامه ولم يعطله ، فإنه لا شيء أردع للمفسدين من إقامة حدود الله عليهم ، ولا يتعدى المشروع ، فالذي شرعه أعلم بطريق سياستهم .

قال : وكل من كان من علماء المسلمين الذين يجمعون من أفضل العلم ، وصلاح العمل ، فعليه أن يدعو إلى المعروف ويزجر عن المنكر ، بمقدار طاقته ، فإن كان يطيق إبطال المنكر ورفعه وردع المتعاطي له عن فعله ، وإن كان لا يطيق ذلك بنفسه ، ويطيقه بمن يستعين عليه فعله ، إلا ما كان طريقه طريق الحدود والعقوبة ، فإن ذلك إلى السلطان دون غيره ، وإن كان لا يطيق إلا القول قال ، وإن لم يطق إلا الإنكار بالقلب أنكر ، والأمر بالمعروف ، في مثل النهي عن المنكر ، إن اتسع للعالم المصلح أن يدعو إليه ، ويأمر به فعل ، وإن لم يقدر إلا على القول ، قال : وإن لم يقدر إلا على الإرادة بقلبه أراده ، وتمنى على الله - عز وجل - فلعله أن يستعيضه به .

التالي السابق


الخدمات العلمية