الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            41 - باب الإحصار

                                                            1757 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، قال : " الإحصار الذي ذكر الله عز وجل فقال : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي نزل يوم الحديبية ، وأحصر النبي صلى الله عليه وسلم بعدو ونحر في الحل وقد قيل : نحر في الحرم ، وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل لأن الله تعالى يقول : وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله والحرم كله محله عند أهل العلم ، فحيثما أحصر الرجل قريبا كان أو بعيدا بعدو حائل مسلم أو كافر وقد أحرم ذبح شاة وحل ولا قضاء عليه إلا أن لا يكون حج حجة الإسلام فيحجها ، وهكذا الشاطر إن حبسه في سجن أو غيره ، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده والمرأة بغير إذن زوجها لأن لهما أن يحبساهما " .

                                                            وله قول آخر في المرأة : أن ليس له منعها إذا أحرمت . قال : وللرجل أن يحج بغير إذن والديه وإن يأذنا له أحب إلي .

                                                            1758 - قلت وروينا عن ابن عمر أنه قيل له : إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت ، وقال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت ، " فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه ، ثم رجع " .

                                                            1759 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو أحمد الحافظ ، أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا محمد بن إدريس الرازي ، حدثنا يحيى بن صالح ، [ ص: 208 ] حدثنا معاوية بن سلام ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثنا عكرمة ، قال : قال ابن عباس : " قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ، وحل مع نسائه ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا .

                                                            وفي رواية غيره : وجامع نساءه " .


                                                            1760 - وفي حديث الواقدي ، عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : لم تكن هذه العمرة قضاء ، ولكن كان شرطا على المسلمين أن يعتمروا قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه .

                                                            1761 - وروينا عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) أنه قال : " لا قضاء على المحصر " .

                                                            1762 - قلت : روى إبراهيم الصائغ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن زوجها لها في الحج ؟ قال : " ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها " .

                                                            1763 - وعن عطاء في المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها هي بمنزلة المحصر .

                                                            ومن قال : ليس له منعها إذا أحرمت احتج بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " .

                                                            وحمل حديث إبراهيم الصائغ إن صح على ما لو كان ذلك قبل الإحرام .

                                                            وأما الإحصار بالمرض فـ :

                                                            1764 - فأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس وعن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه قال : " لا حصر إلا حصر العدو " . وزاد أحدهما : ذهب الحصر الآن .

                                                            1765 - وبإسناده : أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، [ ص: 209 ] عن أبيه ، قال : " من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة " .

                                                            وروينا بمعناه عن عائشة وابن الزبير .

                                                            1766 - وأما حديث عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " من كسر أو عرج أو مرض فقد حل ، وعليه حجة أخرى " فحدثت ابن عباس ، وأبا هريرة ، فقالا : صدق ، فهو حديث مختلف في إسناده . فقيل هكذا . وقيل : عنه عن عبد الله بن رافع عن الحجاج ، وحديث الاستثناء في الحج أصح من هذا .

                                                            1767 - أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي ، أخبرني عبد الله بن صالح ، حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها : " كأنك تريدين الحج ؟ " قالت : أجدني شاكية : فقال لها : [ ص: 210 ] " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " ، وكانت تحت المقداد بن الأسود .

                                                            1768 - وفي رواية ابن أبي ذئب ، عن أبي أسامة وقال فيه : " وقولي اللهم محلي حيث حبستني " .

                                                            ورواه أيضا معمر عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

                                                            وعن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة موصولا .

                                                            ورواه أيضا ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن ضباعة .

                                                            1768 - وروينا في الاشتراط في الحج ، عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود وعائشة وأم سلمة " ( رضي الله عنهم ) ، ولو كان له أن يتحلل بالمرض لم يكن للشرط فائدة " ، والله أعلم .

                                                            * * *

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية