الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            78 - باب الولد يتبع أبويه في الدين ما لم يبلغ

                                                            2269 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله بن يعقوب ، حدثنا محمد بن شاذان ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل إنسان تلده أمه على الفطرة أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، فإن كانا مسلمين فمسلم كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها " .

                                                            2270 - قال الشافعي في القديم : قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة " يعني الفطرة التي فطر الله عليها الخلق فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفصحوا بالقول فيختاروا أحد القولين الإيمان أو الكفر لا حكم لهم في أنفسهم إنما الحكم لهم بآبائهم فما كان آباؤهم يوم يولدون فهو بحاله إما مؤمن فعلى إيمانه أو كافر فعلى كفره .

                                                            2271 - قلت : وأما حكمهم في الآخرة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن من مات منهم وهو صغير فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " .

                                                            2272 - وقد أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، حدثنا محمد بن يحيى المروزي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا شعبة ، عن عمرة بن مرة ، قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم قال : قال ابن عباس : " المؤمن تلحق به ذريته ليقر الله بهم عينه وإن كانوا دونه في العمل . وأما الغلام العاقل قبل أن يحتلم أو يبلغ خمس عشرة وهو [ ص: 349 ] لذمي إذا وصف الإسلام ، فقال الشافعي : كان أحب إلي أن يتبعه وأن تباع عليه والقياس أن لا تباع عليه حتى يصف الإسلام بعد الحكم أو استكمال خمس عشرة فيكون في السن التي لو أسلم ثم ارتد بعدها قتل . قال في القديم : فإن احتج محتج بأن عليا أسلم وهو في حال من لم يبلغ فعد ذلك إسلاما وقيل كان أول من أسلم ؟ يقال له : إنما قال الناس أول من صلى علي ، بذلك جاء الخبر عن زيد بن أرقم وغيره . فقد رأينا الصغير يرى الصلاة فيصلي وهو غير عالم بأن الصلاة عليه وهو غير عارف بالإيمان . . ، وبسط الكلام فيه ، ثم قال : ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم لعلي بخلاف حكم أبويه قبل بلوغه .

                                                            2273 - قلت : وقد اختلف الناس في سن علي يوم أسلم ، فذهب عروة بن الزبير إلى أنه أسلم وهو بن ثمان سنين ، وذهب مجاهد ، ومحمد بن إسحاق بن يسار إلى أنه أسلم وهو بن عشر سنين وذهب شريك القاضي إلى أنه أسلم وهو بن إحدى عشرة سنة .

                                                            2274 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران في جامع عبد الرزاق ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن الحسن وغير واحد ، قال : " أول من أسلم علي بعد خديجة وهو بن خمس عشرة أو ست عشرة سنة " .

                                                            2275 - قلت : وهذا صحيح على ما روى عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس قال : " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا ، وثمان سنين يوحى إليه ، وأقام بالمدينة عشرا " ، وعلى ما روي في أشهر الروايات أن عليا قتل وهو بن ثلاث وستين سنة فيكون إسلامه بعد سبع سنين وهو بعد نزول الوحي فمكث بعد الإسلام ثمانيا وبالمدينة عشرا وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة ، فيكون يوم أسلم بن خمس عشرة سنة كما قال الحسن البصري ، وإلى مثل رواية عمار ، عن ابن عباس ذهب الحسن وذلك فيما :

                                                            2276 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو عمرو بن السماك ، حدثنا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله ( وهو أحمد بن حنبل ) ، [ ص: 350 ] حدثنا روح ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : " نزل القرآن على نبي الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين بمكة وعشرا بعدما هاجر " ، وكان قتادة يقول عشرا بمكة وعشرا بالمدينة .

                                                            والذي قال الحسن في سن علي إنما قاله على ما شرحناه وحديث عمار بن أبي عمار يدل على صحة قوله ، وعلى أن الأحكام إنما تعلقت بالبلوغ بعد الهجرة وقبل الهجرة وإلى عام الخندق كما تتعلق بالتمييز وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد خاطبه بالإيمان فهو مخصوص بصحة إيمانه قبل البلوغ لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالخطاب ، والله أعلم .

                                                            * * *

                                                            [ ص: 351 ]

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية