الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فائدة جليلة

لو انفسخ البيع بعد قبضه بعيب ، أو خيار ، أو انتهت مدة العين المستأجرة . أو أقبضها الصداق وطلقها قبل الدخول . ففي ضمانه على من هو في يده أوجه .

أحدها : حكم ضمانه بعد زوال العقد حكم ضمان المالك الأول قبل التسليم . إن كان مضمونا عليه كان مضمونا له . وإلا فلا . وهي طريقة أبي الخطاب ، والمصنف في الكافي في آخرين . فعلى هذا : إن كان عوضا في بيع ، أو نكاح ، كان متميزا : لم يضمن . على الصحيح . وإن كان غير متميز : ضمن . وإن كان في إجارة : ضمن بكل حال .

الثاني : إن كان انتهاء العقد بسبب يستقل به من هو في يده كفسخ المشتري أو شارك فيه الآخر . كالفسخ منهما : فهو ضامن له . وإن استقل به الآخر كفسخ البائع وطلاق الزوج . فلا ضمان . لأنه حصل في يد هذا بغير سبب ولا عدوان . وهذا ظاهر ما ذكره في المغني في مسألة الصداق . وعلى هذا يتوجه ضمان العين المستأجرة بعد انتهاء المدة .

الثالث : حكم الضمان بعد الفسخ حكم ما قبله . فإن كان مضمونا فهو [ ص: 391 ] مضمون . وإلا فلا فيكون البيع بعد فسخه مضمونا . لأنه كان مضمونا على المشتري بحكم العقد ، ولا يزول الضمان بالفسخ . صرح بذلك القاضي في خلافه . ومقتضى هذا : ضمان الصداق [ على المرأة ] وهو ظاهر كلام المجد ، وأنه لا ضمان في الإجارة على الراد . وصرح به القاضي وغيره ، حتى قال القاضي ، وأبو الخطاب : لو عجل أجرتها ، ثم انفسخت قبل انتهاء المدة : فله حبسها حتى يستوفي الأجرة ، ولا يكون ضامنا .

الرابع : لا ضمان في الجميع ، ويكون المبيع بعد فسخه أمانة محضة . صرح به أبو الخطاب في انتصاره . واختاره القاضي في المجرد ، وابن عقيل في الصداق بعد الطلاق .

الخامس : الفرق بين أن ينتهي العقد ، أو يطلق الزوج ، وبين أن ينفسخ العقد . في الأول : يكون أمانة محضة . لأن حكم الملك ارتفع وعاد ملكا للأول . وفي الفسخ يكون مضمونا . وممن صرح بذلك : الأزجي في نهايته ، وصاحب التلخيص . وهو ظاهر كلام ابن عقيل في مسائل الرد بالعيب . وصرح بأنه يضمن نقصه فيما قبل الفسخ وبعده بالقيمة لارتفاع العقد . ذكر ذلك في القاعدة الثالثة والأربعين . قوله ( وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين ) .

وهذا المذهب . صححه في التصحيح ، والكافي ، والمغني ، والشرح ، والزركشي وغيرهم . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع وغيره . وفي الآخر : حكم العتق . صححه في النظم . وقدمه في الرعايتين ، وإدراك الغاية . وأطلقهما في المستوعب ، والتلخيص ، والحاويين ، والفائق . قوله ( وإن وطئ المشتري الجارية فأحبلها : صارت أم ولده . وولده حر ثابت النسب ) . [ ص: 392 ] هذا مبني على أن الملك ينتقل إليه في مدة الخيار . وهو المذهب . وأما إذا قلنا لا ينتقل إليه . ففيه الخلاف الآتي في البائع . قاله في القواعد الفقهية .

وقال المصنف والشارح . وإن قلنا : إن الملك لا ينتقل إليه : لا حد عليه أيضا . وعليه المهر . وقيمة الولد ، وإن علم التحريم ، وأن ملكه غير ثابت . فولده رقيق .

قوله ( وإن وطئها البائع فكذلك ، إن قلنا البيع ينفسخ بوطئه ) وتقدم : هل يكون تصرف البائع فسخا للبيع ؟ وأن الصحيح يكون فسخا . وقوله ( وإن قلنا لا ينفسخ ، فعليه المهر وولده رقيق ) . قد تقدم : أن المذهب لا ينفسخ العقد بتصرفه . وقوله ( إلا إذا قلنا الملك له ) . وتقدم : أن المذهب لا يكون الملك له في مدة الخيار . قوله ( ولا حد فيه على كل حال ) .

هذا اختيار المصنف ، والشارح ، والمجد في محرره ، والناظم ، وصاحب الحاوي . وصححوه في كتاب الحدود . وقدمه في الرعايتين ، والفروع هناك . وإليه ميل ابن عقيل . وحكاه بعض الأصحاب رواية عن الإمام أحمد . قلت : وهو الصواب . فعلى هذا : يكون ولده حرا ثابت النسب ، ولا يلزمه قيمة ، ولا مهر عليه وتصير أم ولد له .

وقال أصحابنا : عليه الحد إذا علم زوال ملكه ، وأن البيع لا ينفسخ بالوطء وهو المنصوص . وهو المذهب . وهو من مفرداته [ ويأتي ذلك في حد الزنا أيضا ] قوله ( إذا علم أن البيع لا ينفسخ ) . [ ص: 393 ] هكذا قيده بعض الأصحاب . وقالوا : إن اعتقد أن البيع ينفسخ بوطئه فلا حد عليه . لأن تمام الوطء قد وقع في ملكه ، فتمكنت الشبهة . وقال أكثر الأصحاب : عليه الحد إذا كان عالما بالتحريم ، وهو المنصوص عن أحمد في رواية مهنا . وهو اختيار أبي بكر ، وابن حامد ، والأكثرين . قاله في القواعد الفقهية . ومحل وجوب الحد أيضا عند الأصحاب : إذا كان عالما بتحريم الوطء . أما إذا كان جاهلا بتحريمه : فلا حد عليه ، كما سيأتي في شروط الزنا . فعلى قول الأصحاب : إن علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه ، وإن لم يعلم لحقه النسب . وولده حر . وعليه قيمته يوم ولادته . وعليه المهر . ولا تصير أم ولد له . قوله ( ومن مات منهما بطل خياره ، ولم يورث ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به كثير منهم . ويتخرج أن يورث كالأجل وخيار الرد بالعيب . وهو لأبي الخطاب . وذكره في عيون المسائل في مسألة حل الدين بالموت رواية .

تنبيه :

مراده من قوله " ولم يورث " إذا لم يطالب الميت . فأما إن طالب في حياته فإنه يورث . نص عليه ، وعليه الأصحاب .

فائدة :

خيار المجلس لا يورث . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وقيل كالشرط . وفي خيار صاحبه وجهان . وأطلقهما في الفروع . قال في الرعاية : وخيار المجلس يحتمل وجهين .

أحدهما : يبطل . وهو الصحيح . قدمه في المغني ، وشرح ابن رزين . والوجه الثاني : لا يبطل . وهو احتمال في المغني .

فائدة :

حد القذف لا يورث إلا بمطالبة الميت في حياته ، كخيار الشرط . على الصحيح من المذهب . ونص عليه . وعليه الأصحاب . [ ص: 394 ] وفي الانتصار . رواية : لا يورث حد قذف ولو طلبه مقذوف ، كحد زنا . ويأتي كلام المصنف في باب القذف . ويأتي : هل تورث المطالبة بالشفعة ؟ في كلام المصنف في آخر الفصل الخامس من باب الشفعة . وتقدم : إذا علق عتق عبده على بيعه في الباب قبله في الشروط الفاسدة . قوله ( الثالث : خيار الغبن . ويثبت في ثلاث صور . أحدها : إذا تلقى الركبان ، فاشترى منهم ، أو باع لهم . فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم قد غبنوا ) . أعلمنا المصنف رحمه الله هنا أنه إذا تلقى الركبان ، واشترى منهم وباع لهم : أن البيع صحيح . وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب . ونص عليه . وعنه أنه باطل . اختاره أبو بكر . فعلى المذهب : يثبت لهم الخيار بشرطه ، سواء قصد تلقيهم أو لم يقصده . وهو الصحيح من المذهب . نص عليه ، وعليه أكثر الأصحاب . وقيل : لا خيار لهم إلا إذا قصد تلقيهم . وهو احتمال في المغني ، والشرح . قوله ( وعلموا أنهم قد غبنوا ) . هذا المذهب . وعليه الأصحاب . وعنه : لهم الخيار ، وإن لم يغبنوا . قوله ( غبنا يخرج عن العادة ) . يرجع الغبن إلى العرف والعادة . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وعليه جماهير الأصحاب . وقيل : يقدر الغبن بالثلث . اختاره أبو بكر ، وجزم به في الإرشاد . قال في المستوعب : والمنصوص أن الغبن المثبت للفسخ ما لا يتغابن الناس بمثله . وحده أصحابنا بقدر ثلث قيمة المبيع . انتهى . وقيل يقدر بالسدس . [ ص: 395 ] وقيل : يقدر بالربع . ذكره ابن رزين في نهايته . وظاهر كلام الخرقي : أن الخيار يثبت بمجرد الغبن وإن قل . قاله الشارح ، وغيره . وهو ظاهر ما قدمه في المستوعب . وقد قال أبو يعلى الصغير في موضع من كلامه : له الفسخ بغبن يسير ، كدرهم في عشرة بالشرط . ويأتي ذلك بعد تعدد العيوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية