الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها ) . وهو كالصريح أنهما يتحالفان مع تلف السلعة . وقد دخل ذلك في عموم قوله " ومتى اختلفا في قدر الثمن تحالفا " وهذا المذهب . قال في التلخيص : أصح الروايتين التحالف . قال الزركشي : هذا اختيار الأكثرين . قال ابن منجا في شرحه : هذا أولى . وجزم به في الوجيز ، والخرقي ، وتذكرة [ ص: 448 ] ابن عبدوس ، والمنور . ونصره في المغني . وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والنظم ، والفائق ، وإدراك الغاية ، والمذهب الأحمد . وعنه لا يتحالفان إن كانت تالفة . والقول قول المشتري مع يمينه . اختاره أبو بكر رحمه الله .

قال الزركشي : هي أنصهما . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والكافي ، والمغني والشرح ، والحاوي الكبير ، والقواعد الفقهية ، والفروع . وقال المصنف والشارح : وينبغي أن لا يشرع التحالف ولا الفسخ فيما إذا كانت قيمة السلعة مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري . ويكون القول قول المشتري مع يمينه . لأنه لا فائدة في ذلك . لأن الحاصل به الرجوع إلى ما ادعاه المشتري . وإن كانت القيمة أقل فلا فائدة للبائع في الفسخ . فيحتمل أن لا يشرع اليمين ولا الفسخ . لأن ذلك ضرر عليه من غير فائدة . ويحتمل أن يشرع لتحصيل الفائدة للمشتري . انتهيا .

تنبيهان

أحدهما : قوله " رجعا إلى قيمة مثلها " هكذا قال الخرقي وشراحه ، وصاحب الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والكافي ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاويين ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم من الأصحاب .

وقال في التلخيص : ثم يرد عين المبيع عند التفاسخ ، إن كانت باقية ، وإلا فمثلها . فإن لم تكن مثلية وإلا فقيمتها .

فاعتبر المثلية . فإن لم تكن مثلية فالقيمة والجماعة أوجبوا القيمة وأطلقوا .

الثاني :

قوله في الرواية الأولى " رجعا إلى قيمة مثلها . ويكون القول قول المشتري في قيمة التالف " نقله محمد بن العباس . في قدره وصفته . وعليه الأصحاب . كما صرح به المصنف بقوله " فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري " . [ ص: 449 ] فظاهر كلامه : أنه سواء كان الاختلاف في صفة العين أو العيب . أما صفة العين : فلا خلاف فيها : أن القول قول المشتري . وإن كانت الصفة عيبا ، كالبرص والخرق في الثوب ، فالقول قول المشتري أيضا . على الصحيح من المذهب . قال الزركشي : هو المشهور . وقيل : القول قول البائع في نفي ذلك . فعلى المذهب في أصل المسألة : إن رضي المشتري بما قال البائع ، وإلا رجع كل منهما إلى ما خرج منه . فيأخذ المشتري الثمن إن كان قد قبض ، ويأخذ البائع القيمة . فإن تساويا وكانا من جنس تقاصا وتساقطا ، على ما يأتي ، وإلا سقط الأقل ومثله من الأكثر . قال الزركشي : هذا المشهور المعروف .

وقال ابن منجا في شرحه : ظاهر كلام أبي الخطاب : أن القيمة إذا زادت عن الثمن لا يلزم المشتري الزيادة . لأنه قال : المشتري بالخيار بين دفع الثمن الذي ادعاه البائع ، وبين دفع القيمة . لأن البائع لا يدعي الزيادة . قال الزركشي : وكلام أبي الخطاب ككلام الخرقي . وليس فيه أن ذلك بعد الفسخ ، بل هذا التخيير مصرح به بأنه بعد التحالف . وليس إذ ذاك فسخ ، ولا شك أن المشتري والحالة هذه يخير على المشهور .

والذي قاله ابن منجا بحث لصاحب الهداية يعني جده أبا المعالي صاحب الخلاصة فإنه حكى [ عنه ] بعد ذلك أنه قال : وجوب الزيادة أظهر . لأن بالفسخ سقط اعتبار الثمن .

وبحث ذلك الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا . فقال : يتوجه أن لا يجب قيمته ، إلا إذا كانت أقل من الثمن . أما إن كانت أكثر : فهو قد رضي بالثمن فلا يعطى زيادة . لاتفاقهما على عدم استحقاقها . [ ص: 450 ] ومثل هذا في الصداق ولا فرق ، إلا أن هنا انفسخ العقد الذي هو سبب استحقاق المسمى ، بخلاف الصداق . فإن المقتضي لاستحقاقه قائم . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية