الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4743 - (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) (حم خ ن) عن شداد بن أوس - (صح) .

التالي السابق


(سيد الاستغفار) ؛ أي: أفضل أنواع الأذكار التي تطلب بها المغفرة، هذا الذكر الجامع لمعاني التوبة كلها، والاستغفار طلب المغفرة، والمغفرة الستر للذنوب والعفو عنها، قال الطيبي : لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم "السيد" وهو في الأصل للرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في المهمات (أن يقول) ؛ أي: العبد، وثبت في رواية أحمد والنسائي (سيد الاستغفار أن يقول العبد) وفي رواية للنسائي (تعلموا سيد الاستغفار: أن يقول العبد) (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني) قال ابن حجر : في نسخة معتمدة من البخاري تكرير أنت، وسقطت الثانية من معظم الروايات (وأنا عبدك) يجوز أن تكون مؤكدة وأن تكون مقررة؛ أي: أنا عابد لك كقوله وبشرناه بإسحاق نبيا ذكره الطيبي (وأنا على عهدك ووعدك) ؛ أي: ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك، ذكره بعضهم، وقال المؤلف: العهد ما أخذ عليهم في عالم الذر يوم ألست بربكم والوعد ما جاء على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من مات لا يشرك بالله دخل الجنة (ما استطعت) ؛ أي: مدة دوام استطاعتي، ومعناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى (أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك) ؛ أي: أعترف وألتزم (بنعمتك علي) وأصل البوء: اللزوم، ومنه خبر (فقد باء بها أحدهما) ؛ أي: التزمه ورجع (وأبوء بذنبي) ؛ أي: أعترف أيضا، وقيل: معناه أحمله برغمي لا أستطيع صرفه عني، وقال الطيبي : اعترف أولا بأنه تعالى أنعم عليه، ولم يقيده؛ ليشمل كل الإنعام، ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها، وعده ذنبا مبالغة في التقصير وهضم النفس (فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فائدة الإقرار بالذنب أن الاعتراف يمحق الاقتراف كما قيل: [ ص: 120 ]

فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه. . . كما أن إنكار الذنوب ذنوب

(من قالها من النهار موقنا بها) ؛ أي: مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها (فمات من يومه ذلك قبل أن يمسي) ؛ أي: يدخل في المساء (فهو من أهل الجنة) ؛ أي: ممن استحق دخولها مع السابقين الأولين، أو بغير سبق عذاب وإلا فكل مؤمن يدخلها وإن لم يقلها (ومن قالها من الليل وهو موقن فمات قبل أن يصبح) ؛ أي: يدخل في الصباح (فهو من أهل الجنة) بالمعنى المذكور، قال ابن أبي حمزة: جمع في الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالألوهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستغفار من شر ما جنى على نفسه، وإضافة النعم إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو؛ وكل ذلك إشارة إلى الجمع بين الحقيقة والشريعة؛ لأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان عون من الله، قال: ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع صحة النية والتوجه والأدب

(حم خ ن عن شداد بن أوس) ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره



الخدمات العلمية