الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4646 - (سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله: رجل ذكر الله ففاضت عيناه، ورجل يحب عبدا لا يحبه إلا لله، ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها، ورجل يعطي الصدقة بيمينه فيكاد يخفيها عن شماله، وإمام مقسط في رعيته، ورجل عرضت عليه امرأة نفسها ذات منصب وجمال فتركها لجلال الله، ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد) ( ابن زنجويه ) عن الحسن مرسلا (ابن عساكر) مرسلا عن أبي هريرة

التالي السابق


(سبعة) من الناس سيكونون (في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) أضاف الظل إلى العرش؛ لأنه محل الكرامة، وإلا فالشمس وسائر العالم ليس فوقه شيء يظل منه (رجل ذكر الله ففاضت عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن الفائض الدمع لا هي؛ مبالغة لدلالته على مصير العين دمعا فياضا، ثم إن فيضها ناشئ عن القرح التي أحرقت قلبه، إما حياء من الله، أو شوقا إليه، أو حبا له، أو خوفا من ربوبيته، أو لشهود التقصير معه، فلما فعل ذلك حيث لا يراه أحد إلا الأحد كان معاملة لله فآواه إلى ظله (ورجل يحب عبدا لا يحبه إلا لله) ؛ لأنه لما قصد التواصل هو وأخوه بروح الله وتآلف بمحبته كان ذلك انحياشا إلى الله تعالى فآواه إلى ظله (ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها) لما آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الخدمة فآوى إلى الله مؤثرا فأظله (ورجل يعطي الصدقة) التطوع (بيمينه فيكاد يخفيها عن [ ص: 90 ] شماله) ؛ لأنه آثر الله على نفسه ببذل الدنيا إيثارا لحب الله على ما تحبه نفسه؛ إذ شأن النفس حب الدنيا فلا يبذلها إلا من آثر الله عليها فاستحق الإظلال، قيل: ومن الخفية أن يشتري منه بدرهم ما يساوي نصفه، ففي الصورة قبضه بصورة البيع، وهو بالحقيقة صدقة (وإمام مقسط في رعيته) ؛ أي: متبع أمر الله فيهم بوضع كل شيء في محله بغير إفراط ولا تفريط، فلما عدل في عباد الله فآوى المظلوم إلى ظل عدله آواه الله في ظله، ولذا كان الإمام العادل من أعلى الناس منزلة يوم القيامة بمقتضى الحديث، فالجائر من أخس الناس منزلة يوم القيامة (ورجل عرضت عليه امرأة نفسها) ليجامعها بالزنا (ذات منصب وجمال فتركها لجلال الله) فإنه صلى نار مخالفة الهوى مخافة مولاه، وخالف بواعث الطبع للتقوى، فلما خاف من الله هرب إليه فلما هرب هنا إليه معاملة آواه إليه في الآخرة مواصلة (ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد) فإنه لما بذل نفسه لله استوجب كونه في القيامة في حماه، وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فجوزوا جزاء واحدا، صلى كل منهم حر مخالفة الهوى في الدنيا فلم يذقه الله حر الأخرى

[تنبيه] قد نظم أبو شامة معنى هذا الحديث فقال:


وقال النبي المصطفى إن سبعة. . . يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق.
. . وباك مصل والإمام بعدله



وذيل عليه الحافظ ابن حجر في أبيات أخر

( ابن زنجويه عن الحسن مرسلا) وهو البصري (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن أبي هريرة )

[تنبيه] ممن ورد أن يكون في الظل أيضا: رجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره، ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة، ورجل إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت عن حلم، وتاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقا، ومن أنظر معسرا، أو وضع له وسقا، ورجل ترك لغارم، أو تصدق عليه، ومن أعان أخرق؛ أي: من لا صنعة له، ولا يقدر أن يتعلم صنعة، ومن أعان مجاهدا في سبيل الله، أو غارما في عسرته، أو مكاتبا في رقبته، ومن أظل رأس غاز، والوضوء على المكاره، والمشي إلى المساجد في الظلم، ومن أطعم الجائع حتى يشبع، ومن لزم البيع والشراء فلم يذم إذا اشترى، ولم يحمد إذا باع، وصدق الحديث، وأدى الأمانة، ولم يتمن للمؤمنين الغلاء، ومن حسن خلقه حتى مع الكفار، ومن كفل يتيما أو أرملة، ومن إذا أعطي الحق قبله، وإذا سئله بذله، ومن حاكم للناس كحكمه لنفسه، ومن صلى على الجنائز ليحزنه ذلك فأحزنه، ومن نصح واليا في نفسه أو في عباد الله، ومن كان بالمؤمنين رحيما لا غليظا، ومن عزى ثكلى أو صبرها، ومن يعود المرضى ويشيع الهلكى، وشيعة علي ومحبيه، ومن لا ينظر إلى الزنا ولا يبتغي الربا ولا يأخذ الرشى، ومن لم تأخذه في الله لومة لائم، ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له، ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه، ومن قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون وواصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا، فقالت لا أتزوج حتى يموتوا أو يغنيهم الله، وعبد صنع طعاما فأطاب صنعه وأحسن نفقته ودعا عليه اليتيم والمسكين فأطعمهم لوجه الله، ورجل حيث توجه علم أن الله معه، ورجل يحب الناس لجلال الله، ومن فرج عن مكروب من أمة محمد وأحيا سنته وأكثر الصلاة عليه، وحملة القرآن، والمرضى، وأهل الجوع في الدنيا، ومن صام في رجب ثلاثة عشر يوما، ومن صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب وقرأ في كل ركعة الفاتحة والإخلاص خمس عشرة مرة، وأطفال المؤمنين، ومن ذكر بلسانه وقلبه، ومن لا يعق والديه ولا يمشي بنميمة ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، والطاهرة قلوبهم البريئة أبدانهم الذين إذا ذكر الله ذكروا به، وإذا ذكروا ذكر الله [ ص: 91 ] بهم وينيبون إلى ذكر الله كما تنيب النسور إلى وكرها ويغضبون لمحارمه إذا استحلت كما يغضب النمر، ويكلفون بحبه كما يكلف الصبي بحب الناس، والذين يعمرون مساجد الله ويستغفرونه بالأسحار، والذين يذكرون الله كثيرا ويذكرهم، وأهل لا إله إلا الله، وشهداء أحد، ومطلق الشهداء، ومن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى قتل، ومعلم القرآن، ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعى الناس إلى طاعة الله، وحملة القرآن، وإبراهيم وعلي والحسن والحسين، هذا محصول ما التقطه ابن حجر والسخاوي والمؤلف في الأخبار، وأكثرها ضعاف، ومن أراد الوقوف على ما فيها من الكلام، ومن رواها من الأعلام، فليرجع إلى تلك التآليف



الخدمات العلمية