الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( أمن ) في أسماء الله تعالى " المؤمن " هو الذي يصدق عباده وعده : فهو من الإيمان : التصديق ، أو يؤمنهم في القيامة من عذابه ، فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف .

                                                          ( هـ ) وفيه : " نهران مؤمنان ونهران كافران ، أما المؤمنان فالنيل والفرات ، وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ " جعلهما مؤمنين على التشبيه ، لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مؤونة وكلفة ، وجعل الآخرين كافرين لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمؤونة وكلفة ، فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين ، وهذان في قلة النفع كالكافرين .

                                                          ( س ) ومنه الحديث : لا يزني الزاني وهو مؤمن قيل معناه النهي وإن كان في صورة الخبر . والأصل حذف الياء من يزني ، أي لا يزن المؤمن ولا يسرق ولا يشرب " فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين . وقيل هو وعيد يقصد به الردع ، كقوله صلى الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له .

                                                          والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . وقيل معناه لا يزني وهو كامل الإيمان . وقيل : معناه إن الهوى يغطي الإيمان ، فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه ولا ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب [ ص: 70 ] الفاحشة ، فكأن الإيمان في تلك الحالة قد انعدم . وقال ابن عباس رضي الله عنهما " الإيمان نزه فإذا أذنب العبد فارقه " .

                                                          ( س ) ومنه الحديث الآخر إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة ، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان وكل هذا محمول على المجاز ونفي الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله .

                                                          * وفي حديث الجارية أعتقها فإنها مؤمنة إنما حكم بإيمانها بمجرد سؤاله إياها أين الله وإشارتها إلى السماء ، وقوله لها من أنا فأشارت إليه وإلى السماء ، تعني أنت رسول الله . وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان دون الإقرار بالشهادتين والتبرؤ من سائر الأديان . وإنما حكم بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم رأى منها أمارة الإسلام ، وكونها بين المسلمين وتحت رق المسلم . وهذا القدر يكفي علما لذلك ، فإن الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على قوله إني مسلم حتى يصف الإسلام بكماله وشرائطه ، فإذا جاءنا من يجهل حاله في الكفر والإيمان ، فقال إني مسلم قبلناه ، فإذا كان عليه أمارة الإسلام من هيئة وشارة : أي حسن ودار كان قبول قوله أولى ، بل نحكم عليه بالإسلام وإن لم يقل شيئا .

                                                          * وفيه : ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي أي آمنوا عند معاينة ما أتاهم الله من الآيات والمعجزات . وأراد بالوحي إعجاز القرآن الذي خص به ، فإنه ليس شيء من كتب الله تعالى المنزلة كان معجزا إلا القرآن .

                                                          ( هـ ) وفي حديث عقبة بن عامر " أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص " كأن هذا إشارة إلى جماعة آمنوا معه خوفا من السيف ، وأن عمرا كان مخلصا في إيمانه . وهذا من العام الذي يراد به الخاص .

                                                          * وفي الحديث النجوم أمنة السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد " أراد بوعد السماء انشقاقها وذهابها يوم القيامة . وذهاب النجوم تكويرها وانكدارها وإعدامها . وأراد بوعد أصحابه ما وقع بينهم من الفتن . وكذلك أراد بوعد الأمة . والإشارة في الجملة [ ص: 71 ] إلى مجيء الشر عند ذهاب أهل الخير ، فإنه لما كان بين أظهرهم كان يبين لهم ما يختلفون فيه ، فلما توفي جالت الآراء واختلفت الأهواء ، فكان الصحابة رضي الله عنهم يسندون الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قول أو فعل أو دلالة حال ، فلما فقد قلت الأنوار وقويت الظلم . وكذلك حال السماء عند ذهاب النجوم . والأمنة في هذا الحديث جمع أمين وهو الحافظ .

                                                          * وفي حديث نزول المسيح عليه السلام وتقع الأمنة في الأرض الأمنة هاهنا الأمن ، كقوله تعالى : إذ يغشاكم النعاس أمنة منه يريد أن الأرض تمتلئ بالأمن فلا يخاف أحد من الناس والحيوان .

                                                          ( هـ ) وفي الحديث المؤذن مؤتمن ( مؤتمن ) القوم : الذي يثقون إليه ويتخذونه أمينا حافظا . يقال اؤتمن الرجل فهو مؤتمن ، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم .

                                                          * وفيه : المجالس بالأمانة هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل " فكأن ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه . والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان ، وقد جاء في كل منها حديث .

                                                          ( هـ ) وفيه : الأمانة غنى أي سبب الغنى . ومعناه أن الرجل إذا عرف بها كثر معاملوه فصار ذلك سببا لغناه .

                                                          * وفي حديث أشراط الساعة والأمانة مغنما أي يرى من في يده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة قد غنمها .

                                                          * وفيه : الزرع أمانة والتاجر فاجر جعل الزرع أمانة لسلامته من الآفات التي تقع في التجارة من التزيد في القول والحلف وغير ذلك .

                                                          ( س ) وفيه : أستودع الله دينك وأمانتك أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم ، ومالك الذي تودعه وتستحفظه أمينك ووكيلك .

                                                          ( س ) وفيه : من حلف بالأمانة فليس منا يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته . والأمانة أمر من أموره ، فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء [ ص: 72 ] الله تعالى ، كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم . وإذا قال الحالف : وأمانة الله كانت يمينا عند أبي حنيفة ، والشافعي رضي الله عنهما لا يعدها يمينا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية