الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                925 [ ص: 204 ] ص: وأما وقت المغرب فإن في الآثار الأول كلها أنه صلاها عند غروب الشمس، وقد ذهب قوم إلى خلاف ذلك، فقالوا: أول وقت المغرب حين يطلع النجم، واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد ، قال: ثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني الليث بن سعد ، عن خير بن نعيم ، عن ابن هبيرة الشيباني ، عن أبي تميم الجيشاني ، عن أبي بصرة الغفاري قال: "صلى رسول الله -عليه السلام- صلاة العصر بالمحمض فقال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها؛ فمن حافظ منكم أوتي أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد" .

                                                حدثنا علي بن معبد ، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق ، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن خير بن نعيم الحضرمي ... ثم ذكر مثله بإسناده غير أنه لم يقل: بالمحمض وقال: "لا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد والشاهد: النجم" . فقالوا: طلوع النجم هو أول وقتها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالآثار الأول: الأحاديث التي سبق ذكرها في أول الباب، وأراد بالقوم هؤلاء: طاوس بن كيسان وعطاء بن أبي رباح ووهب بن منبه ؛ فإنهم قالوا: أول وقت المغرب حين طلوع النجم، واحتجوا في ذلك بحديث أبي بصرة الغفاري - بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة – واسمه حميل - بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف - وقيل: جميل - بالجيم - والأول هو الصحيح وحميل بن بصرة - بالباء أيضا - بن وقاص بن حاجب بن غفار الغفاري الصحابي .

                                                وأخرج الطحاوي حديث أبي بصرة من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن فهد بن سليمان ، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث ، عن الليث بن سعد ، عن خير بن نعيم بن مرة أبي نعيم المصري قاضي مصر وبرقة ، عن عبد الله بن هبيرة بن أسعد السبائي المصري ، نسبته إلى سباء - بفتح السين، مقصور مهموز مصروف وغير مصروف - وهو أبو اليمن واسمه عامر ويقال عبد شمس

                                                [ ص: 205 ] وكان أول من سبا في العرب سباء والهمزة فيه على هذا ملحقة، وزيدت المدة في النسبة كما يقال في النسبة إلى طيء : طائي، وهو يروي عن أبي تميم واسمه عبد الله بن مالك الرعيني المصري ، ونسبته إلى جيشان - بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة - بن عبدان بن حجر بن ذي رعين الحميري .

                                                الثاني: عن علي بن معبد بن نوح ، عن يعقوب بن إبراهيم المدني ، عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد الأزدي المصري ، عن خير بن نعيم الحضرمي ، عن ابن هبيرة ، عن أبي تميم ، عن أبي بصرة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم أيضا من طريقين:

                                                الأول: عن قتيبة ، قال: نا الليث ، عن خير بن نعيم الحضرمي ، عن ابن هبيرة ، عن أبي تميم الجيشاني ، عن أبي بصرة الغفاري قال: "صلى بنا رسول الله -عليه السلام- العصر بالمحمض فقال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم" .

                                                وأخرجه النسائي : عن قتيبة أيضا نحوه إسنادا ومتنا.

                                                والثاني: عن زهير بن حرب ، عن يعقوب بن إبراهيم إلى آخره.

                                                قوله: "بالمحمض" بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفي آخره ضاد معجمة، وهو الموضع الذي ترعى فيه الإبل الحمض، والحمض في النبات كالرمث والأثل والطرفاء ونحوها، والخلة من النبت ما كان حلوا: تقول العرب: الخلة: خبز الإبل، والحمض فاكهتها، ويقال: لحمها، والجمع الحموض، والرمث - بكسر الراء وسكون الميم وفي آخره ثاء مثلثة - مرعى من مراعي الإبل، وهو من الحمض.

                                                [ ص: 206 ] قوله: "أوتي" أي أعطي.

                                                قوله: "حتى يطلع الشاهد" قد فسر في الحديث أنه النجم؛ سمي به لأنه يشهد بالليل: أي يحضر ويظهر، ومنه قيل لصلاة المغرب: صلاة الشاهد.




                                                الخدمات العلمية