الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1188 ص: حدثنا فهد ، قال: ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، قال: ثنا شريك بن عبد الله ، عن عاصم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أنه جهر بها".

                                                التالي السابق


                                                ش: رجاله ثقات.

                                                وعاصم هو ابن بهدلة أبو بكر المقرئ .

                                                وأخرجه البيهقي في كتاب "المعرفة": أنا أبو عبد الله الحافظ ، قال: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال: ثنا يحيى بن أبي طالب ، قال: أنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال: أنا سعيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أنه كان يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم" .

                                                وأخرجه الدارقطني مرفوعا: ثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ، ثنا معتمر بن سليمان ، ثنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان ، عن أبي خالد ، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -عليه السلام- يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم " .

                                                والجواب عنه أنه معارض بما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قراءة الأعراب" .

                                                وأخرجه عبد الرزاق أيضا في "مصنفه": عن الثوري ، نحوه.

                                                [ ص: 549 ] وجواب آخر: أن قوله: "جهر بها" لا يدل على أنه جهر بها وهو في الصلاة، فلا يتم به الدليل، وكذلك قوله: "إنه كان يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم" لا يدل صريحا على أنه كان في الصلاة، وأما رواية الدارقطني فهي ضعيفة. فقال الأزدي : تكلموا في إسماعيل بن أبي حماد . ولئن سلمنا أنها صحيحة ولكنها لا تدل على أنه كان يجهر بها فلا يتم الدليل.

                                                فإن قيل: روى الدارقطني أيضا: عن أبي الصلت الهروي واسمه عبد السلام بن صالح ، ثنا عباد بن العوام ، ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: "كان النبي -عليه السلام- يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم" .

                                                قلت: هذا أضعف من الأول؛ فإن أبا الصلت متروك، قال أبو حاتم : ليس بصدوق عندي. وقال الدارقطني : رافضي خبيث.

                                                فإن قيل: رواه الحاكم في "المستدرك": عن عبد الله بن عمرو بن حسان ، ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -عليه السلام- يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" .

                                                قال الحاكم : إسناده صحيح وليس له علة.

                                                قلت: غير صحيح ولا صريح، أما كونه غير صريح فلأنه ليس فيه أنه في الصلاة، وأما كونه غير صحيح فإن عبد الله بن عمرو بن حسان كان يضع الحديث، قاله إمام الصنعة علي بن المديني . وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال: ليس بشيء، كان يكذب. وقال ابن عدي : أحاديثه مقلوبات. فانظر إلى تساهل الحاكم واستهتاره في هذا لأجل إقامة الحجة لما ادعاه.

                                                فإن قيل: روى البزار في "مسنده": عن المعتمر بن سليمان ، ثنا إسماعيل ، [ ص: 550 ] عن أبي خالد ، عن ابن عباس : "أن النبي -عليه السلام- كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة" .

                                                قلت: هذا هو الحديث الذي أخرجه الدارقطني الذي ذكرناه الآن.

                                                وأخرجه أبو داود ، والترمذي بهذا الإسناد كلهم قالوا فيه: "كان يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم" . وقال الترمذي : ليس إسناده بذاك.

                                                وقال أبو داود : حديث ضعيف.

                                                ورواه العقيلي في كتابه وأعله بإسماعيل هذا، وقال: حديثه غير محفوظ، ويرويه عن مجهول، ولا يصح في الجهر بالبسملة حديث مسند.

                                                ورواه ابن عدي وقال: حديث غير محفوظ، وأبو خالد مجهول.

                                                وقال البزار : وإسماعيل لم يكن بالقوي في الحديث.

                                                وله طريق آخر عند الدارقطني : عن عمر بن حفص المكي ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : "أن النبي -عليه السلام- لم يزل يجهر في السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم حتى قبض" .

                                                قلت: هذا لا يجوز الاحتجاج به؛ فإن عمر بن حفص ضعيف، قال ابن الجوزي في "التحقيق": أجمعوا على ترك حديثه.




                                                الخدمات العلمية