1022 - وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13298أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ، قال : حدثنا
سفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد ، قال : حدثنا
جميع بن عمير بن [ ص: 1509 ] عبد الرحمن أبو جعفر العجلي ، - أملاه علينا من كتابه - قال : حدثني : رجل من
بني تميم ، من ولد
أبي هالة زوج أخت خديجة يكنى أبا عبد الله ، عن
ابن لأبي هالة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14161الحسن بن علي رضي الله عنهما ، قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=941773nindex.php?page=treesubj&link=30952_30948_29398سألت خالي هند بن أبي هالة - وكان وصافا - عن حلية صلى الله عليه وسلم - ، وأنا اشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به - فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "فخما فخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه ، إذا هو وفرة ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمله أشم ، كث اللحية ، سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأن [ ص: 1510 ] عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين ، والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شثن الكفين والقدمين ، سائر - أو سائل - يعني : الأطراف - سفيان بن وكيع ، يشك - ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ، ينبو عنهما الماء ، إذا زال قلعا ، يخطو تكفيا ، ويمشي هونا ، إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض ، أكثر من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ، يبدر من لقي بالسلام" .
قال : قلت : صف لي منطقه .
قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، ليست له راحة ، طويل السكت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فصل ، لا فضول ولا تقصير ، دمث ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة ، وإن دقت ، لا يذم منها شيئا ، غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا [ ص: 1511 ] يمدحه ، لا تغضبه الدنيا ، ولا ما كان لها ، فإذا تعدي الحق ، لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء ، حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها ، يضرب براحته اليمنى باطن كفه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض ، جل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام" .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14161الحسن بن علي رضي الله عنهما : فكتمتها
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه ، فسأله عما سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه ، عن مدخله ومخرجه وشكله ، فلم يدع منه شيئا .
قال الحسين رضي الله عنه : فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى عليه وسلم ؟ فقال : " كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله عز وجل ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ، ولا يدخر عنهم شيئا ، وكان من سيرته في جزء الأمة ، إيثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة كذا من مسألته عنهم ، وإيثاره بالذي ينبغي لهم ، ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب . وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ،
[ ص: 1512 ] فإنه من أبلغ سلطانا حاجة ، من لا يستطيع إبلاغها ، ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روادا ، ولا يفترقون إلا عن ذواق .
ويخرجون أدلة - يعني : على الخير - .
قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941773وسألته عن مخرجه ، كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخزن لسانه إلا مما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا .
لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة ، وأحسنهم مواساة ومؤازرة .
قال : وسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه ؟
قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر ، ولا يوطن [ ص: 1513 ] الأماكن ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، يعطي كل جلسائه بنصيبه ، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف . ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ، فصار لهم أبا ، وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم ، وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ، ولا تثنى فلتاته ، متعادلين ، يتفاضلون فيه بالتقوى ، متواضعين ، يوقرون الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب .
قال : وسألته عن سيرته في جلسائه ؟ فقال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دائم البشر ، سهل الخلق لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب ، ولا عياب ، ولا مداح ، يتغافل عن ما لا يشتهى ، فلا يؤيس منه ، ولا يخيب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار وما لا يعنيه . وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوليهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتى إن كان [ ص: 1514 ] أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : "إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه" ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى [ يجور ] ، فيقطعه بنهي أو قيام" .
قال : وسألته : كيف كان سكوت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فقال : على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكر .
فأما تقديره : ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره : ففيما يفنى ويبقى ، وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ، ولا يستفزه أحد ، جمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14179محمد بن الحسين رحمه الله :
قد ذكرت من
nindex.php?page=treesubj&link=30948_30961صفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحسن صورته التي أكرمه الله عز وجل بها ، وصفة أخلاقه الشريفة التي خصه الله الكريم بها ما فيه كفاية لمن تعلق من أمته بطرف منها ، وسأل مولاه الكريم المعونة على الاقتداء بشرائع نبيه ، ولن يستطيع أحد من الناس أن يتخلق بأخلاقه ، إلا من اختصه الله الكريم
[ ص: 1515 ] ممن أحب من أهله وولده وصحابته ، وإلا فمن دونهم يعجز عن ذلك ، ولكن من كانت نيته ومراده في طلب التعلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجوت له من الله الكريم أن يثيبه على قدر نيته ، ومراده وإن ضعف عنها عمله ، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه وصف المؤمن بأخلاق شريفة ، فقال فيما وصفه به : "إن سكت تفكر ، وإن تكلم ذكر ، وإذا نظر اعتبر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا ابتلي صبر ، نيته تبلغ ، وقوته تضعف ، ينوي كثيرا من العمل ، يعمل بطاقته منه" .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14179محمد بن الحسين رحمه الله :
ألم تسمعوا - رحمكم الله - إلى قول الله عز وجل لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم ) ، يقال : على أدب القرآن ، في كان الله عز وجل متوليه بالأخلاق الشريفة ، وليس بعده ولا قبله مثله في شرف الأخلاق .
1022 - وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13298أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَبُو مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
جَمِيعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ [ ص: 1509 ] عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْعِجْلِيُّ ، - أَمْلَاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ - قَالَ : حَدَّثَنِي : رَجُلٌ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ ، مِنْ وَلَدِ
أَبِي هَالَةَ زَوْجِ أُخْتِ خَدِيجَةَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ
ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14161الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=941773nindex.php?page=treesubj&link=30952_30948_29398سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ - وَكَانَ وَصَّافًا - عَنْ حِلْيَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنَا اشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ - فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، "فَخْمًا فَخْمًا ، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ ، عَظِيمَ الْهَامَةِ ، رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ ، إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ ، وَاسِعَ الْجَبِينِ ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ ، سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ ، كَثَّ اللِّحْيَةِ ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ، ضَلِيعَ الْفَمِ ، أَشْنَبَ ، مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ ، كَأَنَّ [ ص: 1510 ] عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ ، بَادِنًا مُتَمَاسِكًا ، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ ، عَرِيضَ الصَّدْرِ ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ ، عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ ، وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ ، رَحْبَ الرَّاحَةِ ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، سَائِرَ - أَوْ سَائِلَ - يَعْنِي : الْأَطْرَافَ - سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، يَشُكُّ - ، خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ ، إِذَا زَالَ قَلْعًا ، يَخْطُو تَكَفُّيًا ، وَيَمْشِي هَوْنًا ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا ، خَافِضَ الطَّرْفِ ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ ، أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، جُلَّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ ، يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ" .
قَالَ : قُلْتُ : صِفْ لِي مَنْطِقَهُ .
قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، "مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ ، دَائِمَ الْفِكْرِ ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ ، طَوِيلَ السَّكْتِ ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ، فَصْلٌ ، لَا فَضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ ، دَمِثَ ، لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ ، وَإِنْ دَقَّتْ ، لَا يَذُمٌّ مِنْهَا شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا [ ص: 1511 ] يَمْدَحُهُ ، لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا ، وَلَا مَا كَانَ لَهَا ، فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ ، لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ ، حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ ، وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ ، وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا ، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا ، وَإِذَا تَعْجَّبَ قَلَبَهَا ، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا ، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُسْرَى ، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ" .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14161الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فَكَتَمْتُهَا
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنَ زَمَانًا ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ ، عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا .
قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : " كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَكَانَ إِذَا آَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ : جُزْءًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا ، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ ، إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ ، وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ ، وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةُ كَذَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ ، وَإِيثَارِهِ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ ، وَيَقُولُ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ . وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ،
[ ص: 1512 ] فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ ، مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا ، وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ .
وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً - يَعْنِي : عَلَى الْخَيْرِ - .
قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941773وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟ فَقَالَ : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَخْزِنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ ، وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا .
لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ ، لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ نَصِيحَةً ، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً ، وَأَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً .
قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟
قَالَ : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ ، وَلَا يُوَطِّنُ [ ص: 1513 ] الْأَمَاكِنَ ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ . وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا ، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً ، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ ، وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرُمُ ، وَلَا تُثَنَّى فَلَتَاتُهُ ، مُتَعَادِلِينَ ، يِتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى ، مُتَوَاضِعِينَ ، يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ .
قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ ؟ فَقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ لِيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ ، وَلَا عَيَّابٍ ، وَلَا مَدَّاحٍ ، يَتَغَافَلُ عَنْ مَا لَا يُشْتَهَى ، فَلَا يُؤْيَسُ مِنْهُ ، وَلَا يَخِيبُ فِيهِ ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ : الْمِرَاءِ ، وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ . وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ : كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا ، وَلَا يُعَيِّرُهُ ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ ، لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ ، كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرَ ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا ، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ ، مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيهِمْ ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ ، حَتَّى إِنْ كَانَ [ ص: 1514 ] أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ ، وَيَقُولُ : "إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ" وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى [ يَجُورَ ] ، فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ" .
قَالَ : وَسَأَلْتُهُ : كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالَ : عَلَى أَرْبَعٍ : عَلَى الْحِلْمِ ، وَالْحَذَرِ ، وَالتَّقْدِيرِ ، وَالتَّفْكِرِ .
فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ : فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ : فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى ، وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَسْتَفِزُّهُ أَحَدٌ ، جُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ : أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ ، وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ ، وَاجْتِهَادُهُ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ ، وَالْقِيَامُ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14179مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ :
قَدْ ذَكَرْتُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30948_30961صِفَةِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحُسْنِ صُورَتِهِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا ، وَصِفَةِ أَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ تَعَلَّقَ مِنْ أُمَّتِهِ بِطَرَفٍ مِنْهَا ، وَسْأَلُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ الْمَعُونَةَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِشَرَائِعِ نَبِيِّهِ ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخَلَاقِهِ ، إِلَّا مَنِ اخْتَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ
[ ص: 1515 ] مِمَّنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَصَحَابَتِهِ ، وَإِلَّا فَمَنْ دُونَهُمْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ وَمُرَادُهُ فِي طَلَبِ التَّعَلُّقِ بِأَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ ، وَمُرَادِهِ وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهَا عَمَلُهُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ وَصَفَ الْمُؤْمِنَ بِأَخْلَاقٍ شَرِيفَةٍ ، فَقَالَ فِيمَا وَصَفَهُ بِهِ : "إِنْ سَكَتَ تَفَكَّرَ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ ذَكَرَ ، وَإِذَا نَظَرَ اعْتَبَرَ ، وَإِذَا اسْتَغْنَى شَكَرَ ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ ، نِيَّتُهُ تَبْلُغُ ، وَقُوَّتُهُ تَضْعُفُ ، يَنْوِي كَثِيرًا مِنَ الْعَمَلِ ، يَعْمَلُ بِطَاقَتِهِ مِنْهُ" .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14179مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ :
أَلَمْ تَسْمَعُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، يُقَالُ : عَلَى أَدَبِ الْقُرْآنِ ، فَيْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُتَوَلِّيَهُ بِالْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ ، وَلَيْسَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلُهُ فِي شَرَفِ الْأَخْلَاقِ .