الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
864 - حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال - يعني : ابن عمرو - عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله ، كأنما على رؤوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به ، فرفع رأسه ، فقال : "استعيذوا بالله من عذاب القبر" - ثلاث مرات ، أو مرتين - ثم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة [ ص: 1295 ] بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، ثم يجيء ملك الموت ، فيجلس عند رأسه ، فيقول : "أيتها النفس المطمئنة ، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين ، حتى يأخذها ، فيجعلها في تلك الأكفان ، وفي ذلك الحنوط ، فيخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا [ ص: 1296 ] يمرون على ملإ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : هذا فلان بن فلان . بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى يصعدوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح ، فيفتح له ، فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى .

قال : فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ، فيجلسان ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، وآمنت به ، وصدقت به ، فينادي مناد من السماء : صدق عبدي ، [ ص: 1297 ] فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، فيأتيه من طيبها وروحها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : يا رب ؛ أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي .

وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، يجلسون منه مد البصر . قال : ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتغرق في جسده . قال : فيخرجها تتقطع معها العروق والعصب ، كما ينزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في تلك المسوح ، فيخرج [ منها ] كأنتن ريح وجيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة : إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان . بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون ، فلا يفتح لهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، [ ص: 1298 ] قال : فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في السجين ، في الأرض السفلى ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى . قال : فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) ، فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ها ها ، لا أدري ، ويقولان له : وما دينك ؟ فيقول : ها ها ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أفرشوا له من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : رب لا تقم الساعة ، رب لا تقم الساعة " .


التالي السابق


الخدمات العلمية