( قال ) وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=9957ارتد الغلام المراهق عن الإسلام لم يقتل ، وهنا فصلان إذا أسلم الغلام العاقل الذي لم يحتلم فإسلامه صحيح عندنا استحسانا ، وفي القياس لا يصح إسلامه في أحكام الدنيا ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19570رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم } ، ومن كان مرفوع القلم فلا ينبني الحكم في الدنيا على قوله ، ولأنه غير مخاطب بالإسلام ما لم يبلغ فلا يحكم بصحة إسلامه كالذي لا يعقل إذا لقن فتكلم به ، وتقريره من أوجه : أحدهما : أنه لا عبرة لعقله قبل البلوغ حتى يكون تبعا لغيره في الدين والدار بمنزلة الذي لا يعقل ، وتقرير هذا أنه يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه مع كونه معتقدا للكفر بنفسه ، فإذا لم يعتبر اعتقاده ، ومعرفته في إبقاء ما كان ثابتا فكيف يعتبر ذلك في إثبات ما لم يكن ثابتا ، وبين كونه أصلا في حكم ، وتبعا فيه بعينه مغايرة على سبيل المنافاة ، والثاني : أنه لو صح إسلامه بنفسه كان ذلك منه فرضا لاستحالة القول بكونه مستقلا في الإسلام ، ومن ضرورة كونه فرضا أن يكون مخاطبا به ، وهو غير مخاطب باتفاق ، فإذا لم يمكن تصحيحه فرضا لم يصح أصلا بخلاف سائر العبادات ، فإنه يتردد بين الفرض والنفل ، وبخلاف ما إذا جعل مسلما تبعا لغيره ; لأن صفة الفرضية في الأصل تغني عن اعتباره في التبع كالإقرار باللسان ، والاعتقاد بالقلب ، ولأن اعتبار عقله قبل البلوغ لضرورة الحاجة إليه ، وذلك يختص بما لا يمكن تحصيله له من قبل غيره ، ففيما يمكن تحصيله له من جهة غيره لا حاجة إلى اعتبار عقله فلا يعتبر ، والدليل عليه أنه لو لم يصف الإسلام بعد ما عقل لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته ، ولو صار عقله معتبرا في الدين لوقعت الفرقة إذا لم يحسن أن
[ ص: 121 ] يصف كما بعد البلوغ ، ولأن أحكام الإسلام في الدنيا تنبي على قوله ، وقوله إما أن يكون إقرارا أو شهادة ، ولا يتعلق به حكم الشرع كسائر الأقارير ، والشهادات ، وأما فيما بينه ، وبين ربه إذا كان معتقدا لما يقول : فنحن نسلم أن له في أحكام الآخرة ما للمسلمين .
( وحجتنا ) في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80721حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا } ، وقد أعرب هنا لسانه شاكرا شكورا فلا نجعله كافرا كفورا ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه أسلم وهو صبي ، وحسن إسلامه حتى افتخر به في شعره قال :
سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي
، واختلفت الروايات في سنه حين أسلم ، وحين مات فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16769محمد بن جعفر : رضي الله عنهما أسلم ، وهو ابن خمس سنين ، ومات وهو ابن ثمانية وخمسين سنة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإسلام في أول مبعثه ، ومدة البعث ثلاث وعشرون سنة ، والخلافة بعده ثلاثون انتهى بموت
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ، فإذا ضممت خمسا إلى ثلاث وخمسين فيكون ثمانية وخمسين ، وقال
العتيبي : أسلم وهو ابن سبع سنين ، ومات وهو ابن ستين سنة بهذا الطريق أيضا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ : أسلم وهو ابن عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين ، وهكذا ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في السير الكبير ، والمعنى فيه أنه أتى بحقيقة الإسلام ، وهو من أهله فيحكم بإسلامه كالبالغ ، وبيان الوصف أن الإسلام اعتقاد بالقلب ، واقرار باللسان ، وهو من أهل الاعتقاد ، ومن رجع إلى نفسه علم أنه كان معتقدا للتوحيد قبل بلوغه ، ولأنه من أهل اعتقاد سائر الأشياء والمعرفة به ، ومن أهل معرفة أبويه والرجوع إليهما إذا حزبه أمر ، فعرفنا ضرورة أنه من أهل معرفة خالقه ، وقد سمعنا إقراره بعبارة مفهومة ، ونحن نرى صبيا يناظر في الدين ، ويقيم الحجج الظاهرة حتى إذا ناظر الموحدين أفهم ، وإذا ناظر الملحدين أفحم ، فلا يظن بعاقل أن يقول : إنه ليس من أهل المعرفة ، والدليل على الأهلية أنه يجعل مسلما تبعا لغيره ، وبدون الأهلية لا يتصور ذلك ، ولأنه مع الصبا أهل للرسالة قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وآتيناه الحكم صبيا } فعلم ضرورة أنه أهل للإسلام ثم بعد وجود الشيء حقيقة أنه أن يسقط اعتباره بحجر شرعي فلا يظن ذلك ههنا ، والناس عن آخرهم دعوا إلى الإسلام ، والحجر عن الإسلام كفر أولا يحكم بصحته لضرر يلحقه ، ولا تصور لذلك في الإسلام ، فإنه سبب للفوز والسعادة الأبدية فيكون محض منفعة في الدنيا والآخرة ، وإن حرم ميراث مورثه الكافر أو بانت منه زوجته الكافرة ، فإنما
[ ص: 122 ] يحال بذلك على خبثها لا على إسلامه .
ألا ترى أن هذا الحكم يثبت إذا جعل تبعا لغيره ، والتبعية فيما يتمحض منفعة لا فيما يشوبه ضرر ، وإنما جعل تبعا لتوفير المنفعة عليه ، وفي اعتبار منفعته مع إبقاء التبعية معنى توفير المنفعة ; لأنه ينفتح عليه باب تحصيل هذه المنفعة بطريقين فكان ذلك أنفع ، وإنما يمتنع الجمع بين معنى التبعية والأصالة إذا كان بينهما مضادة ، فأما إذا تأيد أحدهما بالآخر فذلك مستقيم كالمرأة إذا سافرت مع زوجها ونوت السفر فهي مسافرة بنيتها مقصودا ، وتبعا لزوجها أيضا ، وإنما لم يعتبر اعتقاده عند إسلام أحد الأبوين لتوفير المنفعة عليه فهذا يدل على اعتبار اعتقاده إذا أسلم مع كفرهما لتوفير المنفعة عليه ، وإنما لم يكن مخاطبا بالأداء لدفع الحرج عنه إذا امتنع من الأداء ، وهذا يدل على أنه يحكم بصحته إذا أدى باعتبار أن عند الأداء يجعل الخطاب كالسابق لتحصيل المقصود كالمسافر لا يخاطب بأداء الجمعة ، فإذا أدى يجعل ذلك فرضا منه بهذا الطريق ، وهذا لأن عدم توجه الخطاب إليه بالإسلام لدفع الضرر ، ولا ضرر عليه إذا أدرج الخطاب بهذا الطريق بل تتوفر المنفعة عليه مع أنه يحكم بإسلامه لوجود حقيقته من غير أن يتعرض لصفته ، وإنما لا تبين زوجته منه إذا لم يحسن أن يصف بعد ما عقل لبقاء معنى التبعية ، ولتوفير المنفعة عليه ، ولا وجه لاعتبار هذا القول بسائر الأقاويل ، ألا نجعله فيها كاذبا أو لاغيا ، وإذا أقر بوحدانية الله تعالى فلا يظن بأحد أن يقول : إنه كاذب في ذلك أو لاغ بل يتيقن بأنه صادق في ذلك فجرينا الحكم عليه ، فأما إذا ارتد هذا الصبي العاقل
nindex.php?page=showalam&ids=14954فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول : لا تصح ردته ، وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وهو القياس ; لأن الردة تضره ، وإنما يعتبر معرفته ، وعقله فيما ينفعه لا فيما يضره .
ألا ترى أن قبول الهبة منه صحيح ، والرد باطل
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله تعالى قالا يحكم بصحة ردته استحسانا لعلته لا لحكمه ، فإن من ضرورة اعتبار معرفته والحكم بإسلامه بناء على علته اعتبار ردته أيضا ; لأنه جهل منه بخالقه ، وجهله في سائر الأشياء معتبر حتى لا يجعل عارفا إذا علم جهله به فكذلك جهله بربه ، ولأن من ضرورة كونه أهلا للعقد أن يكون أهلا لرفعه كما أنه لما كان أهلا لعقد الإحرام والصلاة كان أهلا للخروج منهما ، وإنما لم يصح منه رد الهبة لما فيه من نقل الملك إلى غيره .
ألا ترى أن ضرر الردة يلحقه بطريق التبعية إذا ارتد أبواه ولحقا به بدار الحرب ، وضرر رد الهبة لا يلحقه من جهة أبيه ، فبهذا يتضح الفرق بينهما ، وإذا حكم بصحة
[ ص: 123 ] ردته بانت منه امرأته ، ولكنه لا يقبل استحسانا ; لأن القتل عقوبة ، وهو ليس من أهل أن يلتزم العقوبة في الدنيا بمباشرة سببها كسائر العقوبات ، ولكن لو قتله إنسان لم يغرم شيئا ; لأن من ضرورة صحة ردته إهدار دمه ، وليس من ضرورته استحقاق قتله كالمرأة إذا ارتدت لا تقتل ، ولو قتلها قاتل لم يلزمه شيء .
( قَالَ ) وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=9957ارْتَدَّ الْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ ، وَهُنَا فَصْلَانِ إذَا أَسْلَمَ الْغُلَامُ الْعَاقِلُ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ فَإِسْلَامُهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرَ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19570رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ } ، وَمَنْ كَانَ مَرْفُوعَ الْقَلَمِ فَلَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَوْلِهِ ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَبْلُغْ فَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ كَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ إذَا لُقِّنَ فَتَكَلَّمَ بِهِ ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِعَقْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَتَّى يَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي الدِّينِ وَالدَّارِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ، وَتَقْرِيرُ هَذَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ مُعْتَقِدًا لِلْكُفْرِ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ اعْتِقَادُهُ ، وَمَعْرِفَتُهُ فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ ثَابِتًا فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ أَصْلًا فِي حُكْمٍ ، وَتَبَعًا فِيهِ بِعَيْنِهِ مُغَايِرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَافَاةِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَرْضًا لِاسْتِحَالَةِ الْقَوْلِ بِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا فِي الْإِسْلَامِ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ فَرْضًا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِاتِّفَاقٍ ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، فَإِنَّهُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْأَصْلِ تُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي التَّبَعِ كَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ ، وَالِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ لَهُ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ ، فَفِيمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ لَهُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ عَقْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ مَا عَقَلَ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَلَوْ صَارَ عَقْلُهُ مُعْتَبَرًا فِي الدِّينِ لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ أَنْ
[ ص: 121 ] يَصِفَ كَمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي الدُّنْيَا تَنْبِي عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا أَوْ شَهَادَةً ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الشَّرْعِ كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ ، وَالشَّهَادَاتِ ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ رَبِّهِ إذَا كَانَ مُعْتَقِدًا لِمَا يَقُولُ : فَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ .
( وَحُجَّتُنَا ) فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80721حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } ، وَقَدْ أَعْرَبَ هُنَا لِسَانُهُ شَاكِرًا شَكُورًا فَلَا نَجْعَلُهُ كَافِرًا كَفُورًا ، وَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ حَتَّى افْتَخَرَ بِهِ فِي شِعْرِهِ قَالَ :
سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا غُلَامًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلُمِي
، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي سِنِّهِ حِينَ أَسْلَمَ ، وَحِينَ مَاتَ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16769مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَسْلَمَ ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ مَبْعَثِهِ ، وَمُدَّةُ الْبَعْثِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً ، وَالْخِلَافَةُ بَعْدَهُ ثَلَاثُونَ انْتَهَى بِمَوْتِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِذَا ضَمَمْتَ خَمْسًا إلَى ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ ، وَقَالَ
الْعُتَيْبِيُّ : أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً بِهَذَا الطَّرِيقِ أَيْضًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ : أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَالْبَالِغِ ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْإِسْلَامَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ ، وَاقَرَارٌ بِاللِّسَانِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِقَادِ ، وَمَنْ رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا لِلتَّوْحِيدِ قَبْلَ بُلُوغِهِ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اعْتِقَادِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ ، وَمِنْ أَهْلِ مَعْرِفَةِ أَبَوَيْهِ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِمَا إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ ، فَعَرَفْنَا ضَرُورَةَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ مَعْرِفَةِ خَالِقِهِ ، وَقَدْ سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِعِبَارَةٍ مَفْهُومَةٍ ، وَنَحْنُ نَرَى صَبِيًّا يُنَاظِرُ فِي الدِّينِ ، وَيُقِيمُ الْحُجَجَ الظَّاهِرَةَ حَتَّى إذَا نَاظَرَ الْمُوَحِّدِينَ أَفْهَمَ ، وَإِذَا نَاظَرَ الْمُلْحِدِينَ أَفْحَمَ ، فَلَا يُظَنُّ بِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ أَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِغَيْرِهِ ، وَبِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ مَعَ الصِّبَا أَهْلٌ لِلرِّسَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } فَعُلِمَ ضَرُورَةً أَنَّهُ أَهْلٌ لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ بَعْدَ وُجُودِ الشَّيْءِ حَقِيقَةً أَنَّهُ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُهُ بِحَجْرٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُظَنُّ ذَلِكَ هَهُنَا ، وَالنَّاسُ عَنْ آخِرِهِمْ دُعُوا إلَى الْإِسْلَامِ ، وَالْحَجْرُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ أَوَّلًا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ ، وَلَا تَصَوُّرَ لِذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فَيَكُونُ مَحْضَ مَنْفَعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ حُرِّمَ مِيرَاثُ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الْكَافِرَةُ ، فَإِنَّمَا
[ ص: 122 ] يُحَالُ بِذَلِكَ عَلَى خُبْثِهَا لَا عَلَى إسْلَامِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ إذَا جُعِلَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ ، وَالتَّبَعِيَّةُ فِيمَا يَتَمَحَّضَ مَنْفَعَةٌ لَا فِيمَا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ تَبَعًا لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ ، وَفِي اعْتِبَارِ مَنْفَعَتِهِ مَعَ إبْقَاءِ التَّبَعِيَّةِ مَعْنَى تَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ ; لِأَنَّهُ يَنْفَتِحُ عَلَيْهِ بَابُ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ بِطَرِيقَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ أَنْفَعَ ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ وَالْأَصَالَةِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ ، فَأَمَّا إذَا تَأَيَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ كَالْمَرْأَةِ إذَا سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا وَنَوَتْ السَّفَرَ فَهِيَ مُسَافِرَةٌ بِنِيَّتِهَا مَقْصُودًا ، وَتَبَعًا لِزَوْجِهَا أَيْضًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ اعْتِقَادُهُ عِنْدَ إسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِ إذَا أَسْلَمَ مَعَ كُفْرِهِمَا لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالْأَدَاءِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ إذَا أَدَّى بِاعْتِبَارِ أَنَّ عِنْدَ الْأَدَاءِ يُجْعَلُ الْخِطَابُ كَالسَّابِقِ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ كَالْمُسَافِرِ لَا يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ ، فَإِذَا أَدَّى يُجْعَلُ ذَلِكَ فَرْضًا مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَهَذَا لِأَنَّ عَدَمَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إذَا أُدْرِجَ الْخِطَابُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَلْ تَتَوَفَّرُ الْمَنْفَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِصِفَتِهِ ، وَإِنَّمَا لَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَصِفَ بَعْدَ مَا عَقَلَ لِبَقَاءِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ ، وَلِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ ، وَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ هَذَا الْقَوْلِ بِسَائِرِ الْأَقَاوِيلِ ، أَلَا نَجْعَلُهُ فِيهَا كَاذِبًا أَوْ لَاغِيًا ، وَإِذَا أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُظَنُّ بِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّهُ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ أَوْ لَاغٍ بَلْ يُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ فَجَرَيْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا إذَا ارْتَدَّ هَذَا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَضُرُّهُ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهُ ، وَعَقْلُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ لَا فِيمَا يَضُرُّهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ مِنْهُ صَحِيحٌ ، وَالرَّدُّ بَاطِلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ اسْتِحْسَانًا لِعِلَّتِهِ لَا لِحُكْمِهِ ، فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ اعْتِبَارِ مَعْرِفَتِهِ وَالْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِنَاءً عَلَى عِلَّتِهِ اعْتِبَارَ رِدَّتِهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ جَهْلٌ مِنْهُ بِخَالِقِهِ ، وَجَهْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَا يُجْعَلَ عَارِفًا إذَا عُلِمَ جَهْلُهُ بِهِ فَكَذَلِكَ جَهْلُهُ بِرَبِّهِ ، وَلِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِرَفْعِهِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَهْلًا لِعَقْدِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ كَانَ أَهْلًا لِلْخُرُوجِ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ رَدُّ الْهِبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرَرَ الرِّدَّةِ يَلْحَقُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ إذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ وَلَحِقَا بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَضَرَرُ رَدِّ الْهِبَةِ لَا يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ ، فَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا حُكِمَ بِصِحَّةِ
[ ص: 123 ] رِدَّتِهِ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا ; لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهَا كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ ، وَلَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا ; لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ رِدَّتِهِ إهْدَارُ دَمِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ اسْتِحْقَاقُ قَتْلِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ ، وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .