الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا سبي الصبي من أهل دار الحرب وأخرج إلى دار الإسلام فمات فإن كان معه أبواه كافرين أو أحدهما فإنه لا يصلى عليه والأصل فيه أن الولد تابع للأبوين في الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا } ولا تظهر تبعية الدار عند تبعية الأبوين .

ألا ترى أن أولاد أهل الذمة في دار الإسلام يكونون على دين آبائهم وهذا لأن الولد من الأبوين ولكنه في الدار لا من الدار فكان اتباعه للأبوين أصلا والدار في حكم الخلف فلا يظهر الخلف مع قيام الأصل وكذلك أحد الأبوين في هذا الحكم بمنزلتهما .

ألا ترى أن الذمية إذا ولدت من زنا فإن الولد يتبعها في الدين ولا أبا هنا فعرفنا أن أحد الأبوين يكفي في الاتباع فإن كان معه أبواه أو أحدهما فهو دينه فإذا مات لا يصلى عليه وإن كانت جارية لم يحل [ ص: 63 ] للسابي وطؤها إذا لم يكن أبواها أو أحدهما من أهل الكتاب فإن أسلم أبواه أو أحدهما فقد صار الصبي مسلما تبعا لمن أسلم منهما فإنه يتبع خير الأبوين دينا لأنه يقرب من التابع فإذا مات يصلى عليه وإن خرج وليس معه أبواه أو أحد من الأبوين فمات قبل أن يعقل الإسلام صلى عليه لأن التبعية بينه وبين الأبوين انقطعت بتباين الدار حقيقة وحكما فيظهر تبعية الدار ويصير محكوما بإسلامه تبعا للدار كاللقيط فإذا مات يصلى عليه وإن خرج الأب من ناحية والابن من ناحية معا فمات الصبي لم يصل عليه لأنه ما حصل في دارنا إلا وله أب كافر فيكون تبعا له دون الدار وكذلك إن خرج الأب أولا ثم الصبي بخلاف ما لو خرج الصبي أولا ثم الأب فإنه حين خرج أولا حكم بإسلامه تبعا للدار فلا يحكم بكفره بعد ذلك وإن خرج أبواه .

( فإن قيل ) : إذا خرج معه أحد أبويه فاعتبار جانب الأب يوجب كفره واعتبار جانب الدار يوجب إسلامه فينبغي أن يرجح الموجب لإسلامه كما لو أسلمت أمه قلنا : الاشتغال بالترجيح عند المساواة وذلك في حق الأبوين فأما الدار خلف عن الأبوين في حقه كما بينا ولا يظهر الخلف في حال بقاء الأصل فلا معنى للاشتغال بالترجيح وكذلك لو مات أبوه كافرا في دارنا لأن بموته لا ينقطع حكم التبعية .

ألا ترى أن أولاد أهل الذمة لا يحكم بإسلامهم وإن ماتت آباؤهم وفي هذا نوع إشكال فإن من في دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام كالميت ثم جعلنا الولد تبعا للدار إذا بقي أبواه في دار الحرب ولا نجمله تبعا للدار إذا مات أبواه في دار الإسلام ولكن نقول : الموت لا يقطع العصمة ألا ترى أن المتوفى عنها زوجها يبقى حل النكاح بينهما وبينه في حق الغسل وتباين الدارين حقيقة وحكما ينافي العصمة والتبعية فمن هذا الوجه يفترقان .

التالي السابق


الخدمات العلمية