الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما خراج الرءوس لا يؤخذ من النساء والصبيان لما بينا أنه خلف عن النصرة التي فاتت بإصرارهم على الكفر ونصرة القتال لو كانوا مسلمين على الرجال دون النساء والصبيان ولأن في حقهم الوجوب بطريق العقوبة كالقتل وإنما يقتل الرجال منهم دون النساء والصبيان حين كانوا حربيين فكذلك حكم الجزية بعد عقد الذمة ولئن كان مؤنة السكنى فالنساء والصبيان في السكنى تبع وأجرة السكنى على من هو الأصل دون التبع ولكن الأول أصح فإنه لا تؤخذ الجزية من الأعمى والشيخ الفاني والمعتوه والمقعد مع أنهم في السكنى أصل ولكن لا يلزمه أصل النصرة ببدنه لو كان مسلما فكذلك لا يؤخذ منه ما هو خلف عن النصرة وعن أبي يوسف أن الأعمى والمقعد إذا كان صاحب مال ورأي يؤخذ منه لأنه يقاتل برأيه وإن كان لا يقاتل ببدنه لو كان مسلما وعجزه لنقصان في بدنه ولا نقصان في ماله فيؤخذ منه ما هو خلف عن النصرة والفقير الذي لا يستطيع أن يعمل لا تؤخذ منه الجزية لأن الجزية مال يؤخذ منه ولا مال له والعاجز عن الأداء معذور شرعا [ ص: 80 ] فيما هو حق العباد قال الله تعالى { : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ففي الجزية أولى وهذا لأن الجزية صلة مالية وليست بدين واجب .

ألا ترى أنها سميت خراجا في الشرع والخراج اسم لما هو صلة قال الله تعالى { فهل نجعل لك خرجا } { أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير } والصلة المالية لا تكون إلا ممن يجد للمال فأما من لا يجد يعان بالمال فكيف يؤخذ منه ولا خراج على رءوس المماليك لأنه خلف عن النصرة والمملوك لا يملك نصرة القتال في نفسه أن لو كان مسلما فلا يلزمه ما هو خلف عن النصرة ثم هو أعسر من الحر الذي لا يجد شيئا لأنه ليس من أهل الملك أصلا ثم المملوك في السكنى تبع لمولاه ولا خراج في الاتباع كالنساء والصبيان ولا صدقة في أموال أهل الذمة من السوائم ومال التجارة في أوطانهم لأن الإمام في الباب عمر رضي الله عنه وهو لم يتعرض لأموالهم في ذلك بشيء لا أن يمروا على العاشر فقد بينا ذلك في الزكاة وكان المعنى فيه أن الأخذ من أموال المسلمين بطريق العبادة المحضة دون المؤنة فإن الشرع جعل الزكاة أحد أركان الدين والكافر ليس بأهل لذلك بخلاف الخراج والعشر فالأخذ من المسلم بطريق مؤنة الأرض ولهذا جاز أخذه من الكافر ولكن يؤخذ من الكافر ما هو أبعد عن معنى العبادة وأقرب إلى معنى الصغار وهو الخراج .

التالي السابق


الخدمات العلمية