الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما مفاداة الأسير بالأسير لا يجوز في أظهر الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وفي رواية عنه أنه جوز ذلك ، وهو قولهما ; لأن في هذا تخليص المسلم من عذاب المشركين والفتنة في الدين ، وذلك جائز كما تجوز المفاداة في أسارى المسلمين بمال من كراع أو سلاح أو غير ذلك ، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن قتل المشركين فرض محكم فلا يجوز تركه بالمفاداة ، وهذا لأنه إذ ابتلي الأسير المسلم بعذاب أو فتنة من جهتهم فذلك لا يكون مضافا إلى فعل المسلم ، وإذا خلينا سبيل المشرك ليعود حربا لنا فذلك بفعل مضاف إلينا فمراعاة هذا الجانب أولى ، وهذا لأنا أمرنا ببذل النفوس والأموال لنتوصل إلى [ ص: 140 ] قتلهم ، فبعد التمكن من ذلك لا يجوز تركه للخوف على الأسير المسلم ، ولأن أسيرهم صار من أهل دارنا بمنزلة الذمي ، فكما لا يجوز إعادة الذمي إليهم بطريق المفاداة بأسير المسلمين فكذلك بأسيرهم ، ويستوي إن طلب مفاداة أسير أو أسيرين بأسير منهم ; لأن الظاهر أنهم إنما يطلبون ذلك لقوة قتال ذلك الأسير ، وفي المفاداة تقويتهم على قتال المسلمين ، وقد بينا أن ذلك ممتنع شرعا ، ثم قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تجوز المفاداة بالأسير قبل القسمة ، ولا يجوز بعد القسمة ; لأن قبل القسمة لم يتقرر كونه من أهل دارنا حتى كان للإمام أن يقتله ، وقد تقرر ذلك بعد القسمة حتى ليس للإمام أن يقتله فكان بمنزلة الذي بعد القسمة ، وجعل قوله { حتى تضع الحرب أوزارها } كناية عن القسمة ; لأن تحققه يكون عند ذلك ومحمد رحمه الله تعالى يجوز المفاداة بالأسير بعد القسمة ; لأن المعنى الذي لأجله جوزنا ذلك قبل القسمة الحاجة إلى تخليص المسلم من عذابهم ، وهذا موجود بعد القسمة ، وحقهم في الاسترقاق ثابت قبل القسمة ، وقد صار بذلك من أهل دارنا ، ثم تجوز المفاداة به لهذه الحاجة فكذلك بعد القسمة ، وقال : لو انفلتت إليهم دابة مسلم فأخذوها في دارهم ، ثم ظهر المسلمون عليها أخذها صاحبها قبل القسمة بغير شيء ، وبعد القسمة بالقيمة ; لأنه لا يد للدابة في نفسها فتحقق إحراز المشركين إياها بالأخذ في دارهم ، بخلاف الآبق على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقد بيناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية