الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا خرج القوم من مسلحة أو عسكر فأصابوا غنائم فإنها تخمس وما بقي فهو بينهم وبين أهل العسكر سواء كان بإذن الإمام أو بغير إذن الإمام وسواء كانت لهم منعة أو لم تكن لأن أهل العسكر بمنزلة المدد للخارجين فإن المصاب صار محرزا بالدار بقوتهم جميعا إذ هم الردء لهم يستنصرونهم إذا حزبهم أمر لأنهم دخلوا دار الحرب لينصر بعضهم بعضا والإمام أذن لهم في أن يأخذوا ما يقدرون عليه من أموال المشركين لأنه أدخلهم في دار الحرب لهذا فلا حاجة إلى إذن جديد بعد ذلك وكذلك إن بعث الإمام رجلا طليعة فأصاب ذلك لأن أهل العسكر ردء له وإن كانوا خرجوا من مدينة عظيمة مثل المصيصة وملطية بعثهم الإمام سرية منها فأصابوا غنائم لم يشركهم فيها أهل المدينة لأنهم ساكنون في دار الإسلام فلا يكونون ردءا للمقاتلين في دار الحرب وهذا لأن توطنهم على قصد المقام في أهاليهم بخلاف أهل العسكر فإن توطنهم في العسكر للقتال فكانوا بمنزلة الردء للسرية .

ألا ترى أن من نوى منهم الإقامة في العسكر في دار الحرب لا تصح نيته بخلاف ساكن المدينة ولأن الإحراز ههنا حصل بالسرية خاصة وهناك الإحراز بدار الإسلام حصل بالسرية والجيش فمن هذا الوجه يقع الفرق ثم الذين خرجوا من مصر من أمصار المسلمين إما أن يكونوا قوما لهم منعة أو لا منعة لهم خرجوا بإذن الإمام أو بغير إذنه فإن كانت لهم منعة فسواء خرجوا بإذن الإمام أو بغير إذنه فإن ما أصابوه غنيمة حتى يخمس ويقسم ما بقي بينهم على سهام الفرسان والرجالة المصيب وغير المصيب فيه سواء لأن دخولهم لا يخفى على الإمام عادة وعليه أن ينصرهم ويمدهم فإنهم لو أصيبوا مع منعتهم كان فيه وهنا بالمسلمين ويجترئ عليهم المشركون فإذا كان على الإمام نصرتهم كانوا بمنزلة الداخلين بإذنه ولأن الغنيمة اسم لما أصيب بطريق فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه وذلك موجود ههنا لأن المصيبين أهل منعة يفعلون ما يفعلون جهارا فأما إذا كانوا قوما لا منعة لهم كالواحد والاثنين فإن كان دخولهما بإذن الإمام فكذلك الجواب لأن على الإمام أن ينصره ويمده إذا حزبه أمر ولأن الإمام لا يأذن للواحد في الدخول إلا أن يعلم قوته على ما بعثه لأجله وعند ذلك يكون الواحد سرية على ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { بعث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه سرية وحده } { وبعث دحية الكلبي رضي الله عنه [ ص: 74 ] يوم الخندق طليعة } وقد ذكر في النوادر أنه لا يخمس ما أصاب هذا الواحد لأن أخذه ليس على طريق إعزاز الدين فإنه لا يجاهر بما يأخذ وإنما يفعله سرا إذ هو غير ممتنع من أهل الحرب فهو كالداخل بغير إذن الإمام فإن كان دخول القوم الذين لا منعة لهم بغير إذن الإمام على سبيل التلصص فلا خمس فيما أصابوا عندنا ولكن من أصاب منهم شيئا فهو له خاصة وإن أصابوا جميعا قسم بينهم بالسوية ولا يفضل الفارس على الراجل وقال الشافعي رحمه الله تعالى : يخمس ما أصابوا ويقسم ما بقي بينهم قسمة الغنيمة لقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } والغنيمة اسم مال يأخذه المسلمون من الكفرة بطريق القهر وذلك موجود ههنا فإنهم دخلوا للمحاربة والقهر لأن القهر تارة يكون بالقوة جهارا وتارة يكون بالمكر والحيلة سرا قال صلى الله عليه وسلم { : الحرب خدعة } .

ألا ترى أنهم لو دخلوا بإذن الإمام كان ما يأخذون غنيمة وصفة أحدهم لا تختلف بوجود إذن الإمام وعدمه .

( وحجتنا ) ما روي أن المشركين أسروا ابنا لرجل من المسلمين فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو ما يلقى من الوحشة { فأمره أن يستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ففعل ذلك فخرج الابن عن قليل بقطيع من الغنم فسلم ذلك له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ منه شيئا } والمعنى ما بينا أن الغنيمة اسم لمال مصاب بأشرف الجهات وهو أن يكون فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز الدين ولهذا جعل الخمس منه لله تعالى وهذا المعنى لا يحصل فيما يأخذه الواحد على سبيل التلصص فيتمحض فعله اكتسابا للمال بمنزلة الاصطياد والاحتطاب بخلاف ما إذا كانوا أهل منعة وشوكة والدليل على الفرق أن الواحد من الذين لهم منعة لو أمنهم صح أمانه واللص في دار الحرب ولو أمنهم لم يصح أمانه وقد بينا اختلاف الرواية فيما إذا كان دخول الواحد بإذن الإمام ووجه الفرق على ظاهر الرواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية