الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) ولو كان وجد في بيعة أو كنيسة أو قرية ليس [ ص: 215 ] فيها إلا مشرك لم يجبر على الإسلام إذا بلغ كافرا وإن مات قبل أن يعقل لم يصل عليه لأن الظاهر أنه من أولاد أهل تلك القرية ، وهم كفار كلهم ، وهذه المسألة على أربعة أوجه في الحاصل أحدها أن يجده مسلم في مكان المسلمين كالمسجد ونحوه فيكون محكوما له بالإسلام ، والثاني أن يجده كافر في مكان أهل الكفر كالبيعة والكنيسة فيكون محكوما بالكفر لا يصلى عليه إذا مات ، والثالث أن يجده كافر في مكان المسلمين ، والرابع أن يجده مسلم في مكان الكفار ففي هذين الفصلين اختلفت الرواية ففي كتاب اللقيط يقول العبرة للمكان في الفصلين جميعا ، وفي رواية ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى قال العبرة للواجد في الفصلين جميعا ، وهكذا ذكر في بعض النسخ من كتاب الدعوى ، وفي بعض النسخ قال أيهما كان موجبا للإسلام يعتبر ذلك ، وفي بعض النسخ قال يحكم زيه ، وعلامته ، وجه رواية هذا الكتاب أن المكان إليه أسبق من يد الواجد ، وعند التعارض يترجح السابق ، والظاهر يدل عليه فإن المسلمين لا يضعون أولادهم في البيعة عادة ، وكذلك أهل الذمة لا يضعون أولادهم في مساجد المسلمين عادة فيبنى على الظاهر ما لم يعلم خلافه .

وجه رواية ابن سماعة رضي الله تعالى عنه أن يد الواجد أقوى لأنه إحراز له ، والمباح بالإحراز يظهر حكمه ، وإنما يعتبر تبعية المكان عند عدم يد معتبرة ألا ترى أن من سبي ، ومعه أحد أبويه لا يحكم له بالإسلام باعتبار الدار فكذلك مع يد الواجد لا معتبر بالمكان فكان المعتبر فيه حال الواجد ، ووجه الرواية الأخرى أن اعتبار أحدهما يوجب الإسلام ، واعتبار الآخر يوجب الكفر فيترجح الموجب للإسلام كما في المولود بين مسلم وكافر ، ووجه الرواية التي يعتبر فيها الزي . قال : عند الاشتباه اعتبار الزي والعلامة أصل كما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار يعتبر الزي ، والعلامة للفصل ، وكذلك المسلمون إذا فتحوا القسطنطينية فوجدوا شيخا عليه سيما المسلمين يعلم صبيانا حوله القرآن ، ويزعم أنه مسلم فإنه يجب الأخذ بقوله ، ولا يجوز استرقاقه لاعتبار الزي ، والعلامة ، والأصل فيه قوله تعالى { تعرفهم بسيماهم } فهذا اللقيط إذا كان عليه زي المسلمين يحكم بإسلامه أيضا ، وإذا كان عليه زي الكفار بأن كان في عنقه صليب أو عليه ثوب ديباج أو هو محروز وسط الرأس فالذي يسبق إلى وهم كل أحد أنه من أولاد الكفار فيحكم بكفره وإن وجده مسلم في قرية فيها مسلمون ، وكفار صليت عليه إذا مات استحسانا ، وعلى رواية هذا الكتاب يعتبر المكان . وجه القياس أنه لما تعارض الدليلان ، وتساويا لا يصلى عليه كموتى الكفار والمسلمين إذا اختلطوا ، واستووا لم يصل [ ص: 216 ] عليهم على ما بيناه في التحري ، ووجه الاستحسان أن الأدلة لما تعارضت في حق المكان يترجح الإسلام باعتبار الواجد لأنه مسلم أو باعتبار علو حالة الإسلام فلهذا يصلى عليه إذا مات .

التالي السابق


الخدمات العلمية