6459 [ ص: 89 ] ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذه الآثار التي ذكرنا قد رويت عن جماعة من أصحاب رسول الله -عليه السلام-، ولكن تأويلها يحتمل أن يكون كما ذهب إليه من حرم قليل النبيذ وكثيره، ويحتمل أن يكون على المقدار الذي يسكر منه شاربه خاصة.
فلما احتملت هذه الآثار كل واحد من هذين التأويلين نظرنا فيما سواها لنعلم به أي المعنيين أريد بما ذكر فيها، فوجدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - -وهو أحد النفر الذين روينا عنهم عن رسول الله -عليه السلام- أنه قال: "كل مسكر حرام"- قد روي عنه في إباحة القليل من النبيذ الشديد ما قد حدثنا فهد ، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي ، قال: ثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم ، عن همام بن الحارث ، عن عمر - رضي الله عنه -: "أنه كان في سفر، فأتي بنبيذ فشرب منه، فقطب ثم قال: إن نبيذ الطائف له عرام -فذكر شدة لا أحفظها- ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب".
6460 حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون، قال: "شهدت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين طعن، فجاءه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ، فأتي بنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعناته".
6461 حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا عمرو بن خالد ، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون مثله.
وزاد: قال عمرو: وكان يقول: " إنا نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الإبل في بطوننا من أن يؤذينا. ، قال: وشربت من نبيذه فكان كأشد النبيذ".
6462 حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق ، عن عامر ، عن سعيد بن ذي لعوة ، قال: " أتي عمر - رضي الله عنه - برجل سكران فجلده، فقال: إنما شربت من شرابك، فقال: وإن كان".
[ ص: 90 ] 6463 حدثنا فهد ، قال: ثنا عمر بن حفص ، قال: ثنا أبي ، عن الأعمش ، قال: حدثني أبو إسحاق ، عن سعيد بن ذي حدان -أو ابن ذي لعوة- قال: "جاء رجل قد ظمئ إلى خازن عمر ، - رضي الله عنه - فاستسقاه فلم يسقه، فأتى بسطيحة لعمر ، - رضي الله عنه - فشرب منها فسكر، فأتي به عمر - رضي الله عنه - فاعتذر إليه وقال: إنما شربت من سطيحتك، ) فقال عمر : ( - رضي الله عنه -: إنما أضربك على السكر، فضربه عمر - رضي الله عنه -".
6464 حدثنا فهد ، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي ، عن الأعمش ، قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن نافع بن علقمة قال: "أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنبيذ له فصنع في بعض تلك المنازل، فأبطأ عليهم ليلة، فأتي بطعام فطعم، ثم أتي بنبيذ قد أخلف واشتد فشرب منه، ثم قال: إن هذا لشديد، ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه".
6465 حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة ، قال: ثنا خالد الحذاء ، عن أبي المعذل ، عن ابن عمر: " ، أن عمر - رضي الله عنه – انتبذ له في مزادة فيها خمس عشرة أو ست عشرة قائمة، فذاقه فوجده حلوا، فقال: كأنكم أقللتم عكره".
6466 حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو صالح ، قال: حدثني الليث ، قال: حدثني عقيل ، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ، أن أباه عبد الرحمن بن عثمان قال: "صحبت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى مكة شرفها الله، فأهدى له ركب من ثقيف بسطيحتين من نبيذ - والسطيحة فوق الإداوة ، ودون المزادة- قال عبد الرحمن: : فشرب عمر - رضي الله عنه - إحداهما، ولم يشرب الأخرى حتى اشتد ما فيه، فذهب عمر يشرب منه فوجده قد اشتد، فقال: اكسروه بالماء".
6467 حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو اليمان ، قال: أنا شعيب ، عن الزهري ... ، فذكر بإسناده مثله.
[ ص: 91 ] قال: فلما ثبت بما ذكرنا من عمر - رضي الله عنه - إباحة قليل النبيذ الشديد، وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل مسكر حرام"؛ كان ما فعله من هذا دليلا أن ما حرم رسول الله -عليه السلام- بقوله ذلك عنده من النبيذ الشديد هو السكر منه لا غير. فإما أن يكون سمع ذلك من النبي -عليه السلام- قولا أو رآه رأيا، فأقل ما يكون منه في ذلك أن يكون رآه رأيا، فرأيه ذلك عندنا حجة ولاسيما إذ كان فعله المذكور في الآثار التي رويناها عنه بحضرة أصحاب رسول الله -عليه السلام-، فلم ينكره عليه منهم منكر. فدل ذلك على متابعتهم إياه عليه.


