الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7301 ص: وقد حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح وأبو الوليد، قالا: ثنا شعبة ، قال: سمعت أيوب يحدث، عن عطاء ، قال: أشهد على ابن عباس - رضي الله عنهما - أو أحدث به عن ابن عباس -قال: أشهد على رسول الله -عليه السلام- " أنه خرج يوم الفطر فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء فأمرهن أن يتصدقن " .

                                                7302 حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا مؤمل ، قال: ثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس قال: قلت لابن عباس: " شهدت العيد مع رسول الله -عليه السلام-؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته من صغري، خرج رسول الله -عليه السلام- يوم العيد فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء مع بلال فوعظهن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى رقبتها، والمرأة تهوي بيدها إلى أذنها فتدفعه إلى بلال، وبلال يجعله في ثوبه، ثم انطلق به مع النبي -عليه السلام- إلى منزله".

                                                7303 حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح ، قال: ثنا ابن جريج ، قال: حدثني الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال: " شهدت الصلاة مع رسول الله -عليه السلام- ومع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، - رضي الله عنهم -، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، قال فنزل نبي الله -عليه السلام- فكأني أنظر إليه يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء ومعه بلال، فقال: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا [ ص: 467 ] يشركن بالله شيئا إلى قوله: غفور رحيم فقال حين فرغ: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم تجبه غيرها: نعم يا رسول الله، قال: فتصدقن قال: فبسط بلال ثوبه، ثم قال لهن: ألقين، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال".

                                                7304 حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح ، قال: ثنا ابن جريج ، قال: أخبرني عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: "إن النبي -عليه السلام- قام يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله -عليه السلام- قام فأتى النساء، فذكرهن وهو يتوكأ على بلال، 5 وبلال باسط ثوبه فجعل النساء يلقين فيه صدقاتهن".

                                                7305 حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا عبيد بن هشام الحلبي ، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن زيد بن رفيع ، عن حزام بن حكيم ، عن حكيم بن حزام قال: " خطب النبي -عليه السلام- النساء ذات يوم فأمرهن بتقوى الله -عز وجل- والطاعة لأزواجهن وأن يتصدقن".

                                                فهذا رسول الله -عليه السلام- قد أمر النساء بالصدقات، وقبلها منهن، ولم ينتظر في ذلك رأي أزواجهن.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه الأحاديث دلت على صحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وفساد ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وأخرجها عن ثلاثة من الصحابة:

                                                الأول: عن ابن عباس، وأخرج عنه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، كلاهما عن شعبة ، عن أيوب السختياني ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه مسلم: نا أبو بكر بن أبي شيبة وابن أبي عمر -قال أبو بكر-: نا سفيان بن عيينة، قال: نا أيوب، قال: سمعت عطاء، قال: سمعت ابن عباس [ ص: 468 ] يقول: " أشهد على رسول الله -عليه السلام- ليصلي قبل الخطبة، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة ، وبلال قائل بثوبه، فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء".

                                                وأخرجه بقية الجماعة غير الترمذي .

                                                الطريق الثاني: عن أبي بكرة بكار ، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة النخعي .

                                                وأخرجه البخاري: نا مسدد، قال: نا يحيى ، عن سفيان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عابس، قال: سمعت ابن عباس قيل له: "أشهدت العيد مع النبي -عليه السلام-؟ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته".

                                                الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة ، عن عبد الملك بن جريج ، عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي ، عن طاوس ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه مسلم: حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق -قال ابن رافع: نا عبد الرزاق- قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال: "شهدت صلاة الفطر مع رسول الله -عليه السلام-

                                                [ ص: 469 ] وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، فكلهم يصليها قبل الخطبة، ثم يخطب قال فنزل نبي الله -عليه السلام- كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ومعه بلال - رضي الله عنه - فقال: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة لم تجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله، لا ندري حينئذ من هي، قال: فتصدقن، فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلم فدى لكن أبي وأمي فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال".


                                                وأخرجه البخاري: من حديث ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، عن ابن عباس نحوه.

                                                قوله: "تهوي بيدها" من أهوى بيده إليه، أي مدها نحوه وأمالها إليه، يقال: أهوى يده وبيده إلى الشيء ليأخذه.

                                                قوله: "يجلس الرجال" من الإجلاس.

                                                قوله: "الفتخ" بفتح الفاء والتاء المثناة من فوق وفي آخره خاء معجمة: جمع فتخة بالتحريك، وهي حلقة من فضة لا فص لها، فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، وقيل: هي الخواتيم الكبار، وقيل: الفتخة: حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها، وربما اتخذ لها فص كالخاتم، وقيل: خلخل لا جرس له، وقال ابن السكيت: تلبس في أصابع اليد. وقال ثعلب: قد تكون في أصابع الرجل.

                                                قوله: "الخواتيم" جمع خاتم، والخاتم فيه أربع لغات: فتح التاء، وكسرها، وخاتام، وخيتام.

                                                الثاني: عن جابر بن عبد الله .

                                                [ ص: 470 ] أخرجه عن أبي بكرة بكار ، عن روح بن عبادة ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر .

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه البخاري: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن نصر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: "قام النبي -عليه السلام- يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال ، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة".

                                                وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضا.

                                                قوله: "فذكرهن" بتشديد الكاف أي: وعظهن.

                                                قوله: "صدقاتهن" بفتح الدال جمع صدقة.

                                                الثالث: عن حكيم بن حزام بن خويلد القرشي الأسدي الصحابي.

                                                أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عبيد بن هشام الحلبي القلانسي شيخ أبي داود ، عن عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة الجزري ، عن زيد بن رفيع الجزري ضعفه الدارقطني، ووثقه ابن حبان .

                                                عن حزام -بكسر الحاء المهملة بعدها الزاي المعجمة- ابن حكيم القرشي المدني ، عن أبيه حكيم بن حزام - رضي الله عنه -.

                                                [ ص: 471 ] وأخرجه الطبراني: نا محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي المصري، نا عبيد بن هشام الحلبي، نا عبيد الله بن عمرو ...إلى آخره نحوه سواء.




                                                الخدمات العلمية