والحق عندنا : أن كل ما لم يرد فيه نص من كتاب ، ولا من سنة ، فإطواؤه على غيره أولى ، وترك الخوض فيه أحرى . 
أن تقولوا   [الأعراف : 172] ؛ أي : كراهة أن تقولوا : يوم القيامة إنا كنا عن هذا  ؛ أي : عن كون الله ربنا وحده لا شريك له في العبادة ، واستحقاقها غافلين  أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا  ؛ أي : فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة ، أو تنسبوا الشرك في الربوبية إلى آبائكم دونكم . 
و «أو » لمنع الخلو دون الجمع ، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين من قبل  ؛ أي : من قبل زماننا . 
وكنا ذرية من بعدهم  ؛ أي : أتباعا لهم ، فاقتديناهم في الشرك في الربوبية ، لا نهتدي إلى الحق ، ولا نعرف الصواب . 
أفتهلكنا بما فعل المبطلون  من آبائنا ، ولا ذنب لنا ؛ لجهلنا ، وعجزنا عن النظر ، واقتفائنا آثار سلفنا . 
بين الله سبحانه في هذه الآية الحكمة التي من أجلها أخرجهم من ظهر آدم ، وأشهدهم على أنفسهم ، وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ، ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ، ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة . 
ففي هذه الآية قطع لعذر المشركين ، والكفار ، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل ذلك. 
والمعنى : لا يمكنهم الاحتجاج بهذا مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد ، والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس .  [ ص: 383 ] 
وكذلك   [الأعراف : 174] ؛ أي : مثل ذلك التفصيل البليغ نفصل الآيات  لهم ليتدبروها ولعلهم يرجعون  إلى الحق ، وهو التوحيد ، ويتركون ما هم عليه من الباطل ، وهو الشرك في الربوبية . 
وقيل : يرجعون إلى الميثاق الأول ، فيذكرونه ، ويعملون بموجبه ، ومقتضاه ، والمآل واحد . 
والآية الشريفة دلت على أن المشركين والكفار اعترفوا في عالم الأرواح بتوحيد الربوبية  ، وآمنوا به ، ثم إذا انتهوا إلى الدنيا ، نسوا ذلك الميثاق ، ولم يتذكروه ، مع تذكير الرسل إياهم ذلك، وابتلوا في الإشراك في العبادة ، وعبدوا غير الله ، واتخذوا من دونه آلهة شتى ، فكان هذا ردة منهم عن الإسلام ، فاستحقوا ما استحقوه من القتل ، والأسر ، والنهب ، وسبي الذراري في الدنيا ، والعذاب الأليم ، والخلود في النار في العقبى ، لا يخرجون منها أبدا . 
وقد تقدم مرارا أن توحيد الله تعالى هو الواجب على كل إنسان  ؛ وفاء للميثاق ، وإتيانا بالعهد . 
ومن لم يوحد الله تعالى في ألوهيته ، وربوبيته ، فهو مشرك حقا ، والحكم الحكم ، وسيأتي لذلك بيان تحت حديث أبي بن كعب في هذا الباب -إن شاء الله . 
وقال تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون   [يوسف : 106] 
فإن قلت : كيف يكون اتصافهم بالإيمان في حالة تلبسهم بالشرك ؛ لأنه يستدعي الجمع بين النقيضين في حالة واحدة ، وهو باطل : 
قلت : إيضاح ذلك يتوقف على بيان ما ذكره أهل التفاسير المعتبرة . 
وينحصر ذلك في وجوه اثني عشر ، وينضم إلى ذلك ما ذكرته أنا ، فتكون الوجوه ثلاثة عشر .  [ ص: 384 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					