الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال تعالى : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا [الأعراف : 188] .قال ابن جرير : يعني : الهدى والضلالة .

وهذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم قبلها من عدم علمه صلى الله عليه وسلم بالساعة أيان [ ص: 419 ] تكون ، ومتى تقع ؟ لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له ، أو دفع ضر عنه إلا ما شاء الله [الأعراف : 188] سبحانه من النفع له ، والدفع عنه ، فبالأولى أن لا يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه .

وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد ، والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس صلى الله عليه وسلم ما فيه أعظم زاجر ، وأبلغ واعظ لمن يدعي لنفسه ما ليس من شأنه ، وينتحل علم الغيب بالنجامة ، أو الرمل ، أو الطرق بالحصى ، أو الزجر .

قال النسفي : أي : أنا عبد ضعيف ، لا أملك لنفسي اجتلاب نفع ، ولا دفع ضر كالمماليك ، إلا ما شاء مالكي من النفع لي ، والدفع عني .

والاستثناء منقطع ، وبه قال ابن عطية ، وهو أبلغ في إظهار العجز .

ثم أكد هذا وقرره بقوله : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ؛ أي : لو كنت أعلم جنس الغيب ، لتعرضت لما فيه الخير ، فجلبته إلى نفسي ، وتوقيت ما فيه السوء ، حتى لا يمسني ، ولكني عبد لا أدري ما عند ربي ، ولا ما قضاه في، وقدره لي ، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه ؟ .

وقيل : المعنى : لو كنت أعلم ما يريد الله -عز وجل - مني من قبل أن يعرفنيه ، لفعلته .

وقيل : لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب ، لقاتلت فلم أغلب .

وقيل : لو كنت أعلم الغيب ، لأجبت عن كل ما أسأل عنه .

وقيل : لو كنت أعلم وقت الموت ، لاستكثرت من العمل الصالح .

وقيل : لأعددت من الخصب للجدب .

وقيل غير ذلك.

والأولى حمل الآية على العموم ، وتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية