الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع ، وجدت أصل ضلالهم راجعا إلى شيئين .

أحدهما : ظنهم بالله ظن السوء .

والثاني : أنهم لم يقدروا الرب حق قدره .

فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولا ، ولا أنزل كتابا ، بل ترك الخلق سدى ، وخلقهم عبثا .

ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته ، وتعلقها بأفعال عباده ؛ من طاعاتهم ، ومعاصيهم ، وأخرجها عن خلقه ، وقدرته .

ولا قدر الله حق قدره أضداد هؤلاء الذين قالوا : إنه يعاقب عبده على ما لم يفعله ، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه .

وإذا استحال في العقول أن يجبر السيد عبده على فعل ، ثم يعاقبه عليه ، فكيف يصدر هذا من أعدل العادلين ؟

وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس القدرية الأذلين .

ولا قدره حق قدره من نفى رحمته ، ومحبته ، ورضاه ، وغضبه ، وحكمته مطلقا ، وحقيقة فعله ، ولم يجعل له فعلا اختياريا ، بل جعل أفعاله مفعولات منفصلة عنه .

ولا قدره حق قدره من جعل له صاحبة ، وولدا ، أو جعله يحل في مخلوقاته ، أو جعله عين هذا الوجود .

ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله ، وأهل بيته ، وجعل فيهم الملك ، ووضع أولياء رسوله ، وأهل بيته . [ ص: 310 ]

وهذا يتضمن غاية القدح في الرب -تعالى عن قول الرافضة - .

وهذا مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين : إنه أرسل ملكا ظالما ، فادعى النبوة ، وكذب على الله، ومكث زمنا طويلا يقول : أمرني بكذا ، أو : نهاني عن كذا ، ويستبيح دماء أولياء الله ، وأحبابه ، والرب تعالى يظهره ويؤيده ، ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه ، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه ، ويقيم دولته على الظهور ، والزيادة ، ويذل أعداءه أكثر من ثمان مائة عام .

فوازن بين قول هؤلاء ، وقول إخوانهم من الرافضة ، تجد القولين سواء .

ولا قدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى ، ولا يبعث من في القبور ليبين لعباده الذي كانوا فيه يختلفون ، ويعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين .

وبالجملة : فهذا باب واسع جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية