الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حقيقة الشرك

وحقيقة الشرك أن يعتقد إنسان في بعض المعظمين من الناس أن الآثار العجيبة الصادرة منه إنما صدرت لكونه متصفا بصفة من صفات الكمال ، مما لم يعهد في جنس الإنسان ، بل يختص بالواجب -جل مجده - لا يوجد في غيره إلا أن يخلع هو خلعة الألوهية على غيره ، أو يفنى غيره في ذاته ، ويبقى بذاته ، أو نحو ذلك، مما يظنه هذا المعتقد من أنواع الخرافات كما ورد في الحديث أن المشركين كانوا يلبون بهذه الصيغة : «لبيك لبيك ، لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك » .

فيتذلل عنده أقصى التذلل ، ويعامل معه معاملة العباد مع الله تعالى ، وهذا معنى : له أشباح ، وقوالب .

والشرع لا يبحث إلا عن أشباحه وقوالبه التي باشرها الناس بنية الشرك حتى صارت مظلة للشرك ، ولازمة له في العادة ؛ كسنة الشرع في إقامة العلل المتلازمة للمصالح والمفاسد مقامها .

ونحن نريد أن ننبهك على أمور جعلها الله تعالى في الشريعة المحمدية على صاحبها الصلوات والتسليمات - مظنات للشرك ، فنهى عنها . [ ص: 278 ]

فمنها : أنهم كانوا يسجدون للأصنام ، والنجوم ، فجاء النهي عن السجدة لغير الله .

قال الله تعالى : لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن [فصلت : 37] .

والإشراك في السجدة كان متلازما للإشراك في التدبير كما أومأنا إليه .

وليس الأمر كما يظن بعض المتكلمين من أن توحيد العبادة حكم من أحكام الله تعالى مما يختلف باختلاف الأديان ، لا يطلب بدليل برهاني .

كيف ولو كان كذلك لم يلزمهم الله تعالى بتفرده بالتخليق ، والتدبير كما قال -عز من قائل - : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير [النمل : 59] إلى آخر خمس آيات .

بل الحق أنهم اعترفوا بتوحيد الخلق ، وبتوحيد التدبير في الأمور العظام ، وسلموا أن العبادة متلازمة معهما ؛ لما أشرنا إليه في تحقيق معنى التوحيد .

فلذلك ألزمهم الله بما ألزمهم ، ولله الحجة البالغة .

التالي السابق


الخدمات العلمية