وقال تعالى : الله الذي لا إله إلا هو   [الحشر : 22] ؛ أي : المعبود الذي لا تنبغي العبادة والألوهية إلا له عالم الغيب والشهادة  قدم الغيب على الشهادة ؛ لكونه متقدما وجودا . والمعنى : عالم ما غاب عن الإحساس وما حضر . 
وقيل : عالم السر والعلانية . وقيل : ما كان وما يكون . وقيل : الدنيا والآخرة ولا مانع من الحمل على الجميع ؛ فإن اللفظ أوسع من ذلك، والعبرة بعمومه لا بخصوص الأسباب . 
وقال تعالى : ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة   [التوبة : 94] ؛ أي : يوم القيامة فينبئكم بما كنتم تعملون  من الأعمال القبيحة ، ويجازيكم عليها . وفيه وعد وتهديد . 
وقال تعالى : عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم   [السجدة : 6] ؛ أي : الغالب القاهر ذو الحكمة الباهرة ، في الإخبار عن الغيوب . 
وقال تعالى : قل إنما العلم  ؛ أي : إن الوقت قيام الساعة علمه عند الله  لا يعلمه غيره . 
ومثله قوله إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين  وأنذركم وأخوفكم عاقبة شرككم وكفركم ، وأبين لكم ما أمر الله ببيانه ، بإقامة الأدلة حتى يصير ذلك كأنه مشاهد . 
وقال تعالى : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا   [الجن : 26] الفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده سبحانه بعلم الغيب   . 
أي : لا يطلع على الغيب الذي يعلمه إلا من ارتضى من رسول   [الجن : 27] ؛ أي : من اصطفاه من الرسل ، أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه ؛ ليكون ذلك دالا على نبوته . 
قال القرطبي   : ليس المنجم ، ومن ضاهاه ، ممن يضرب بالحصى ، وينظر في الكف ، ويزجر الطير ، ممن ارتضاه من رسول ، فيطلعه على ما يشاء من غيبه ، بل  [ ص: 432 ] هو كافر بالله ، مفتر عليه بحدسه وتخمينه ، وكذبه . انتهى . 
وقال  الواحدي   : وفي هذا دليل أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حادث ، فقد كفر بما في القرآن . 
قال  الزمخشري   : فيه إبطال الكهانة ، والسحر ، والتنجيم  ؛ لأن أصحابها أبعد شيء من الارتضاء ، وأدخله في السخط . 
قال الرازي   : وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء مما قالوه ؛ إذ لا صيغة عموم في غيبه ، فيحمل على غيب واحد ، وهو وقت القيامة ؛ لأنه واقع بعد قوله : أقريب ما توعدون   [الجن : 25] الآية . 
فإن قيل: فما معنى الاستثناء حينئذ ؟ 
قلنا : لعله إذا قربت القيامة يظهره ، وكيف لا وقد قال: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا   [الفرقان : 25] ، فتعلم الملائكة حينئذ قيام الساعة . 
أو استثناء منقطع ؛ أي : من ارتضاه من رسول يجعل بين يديه ، ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مردة الجن والإنس . 
ويدل على أنه ليس المراد أنه لا يطلع أحدا على شيء من المغيبات إلا الرسل : أنه ثبت كما كان يقارب التواتر أن «شقا » و «سطحيا » كانا كاهنين . 
وقد عرفا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره ، وكانا مشهورين بهذا العلم عند العرب حتى رجع إليهما كسرى . 
فثبت أن الله قد يطلع غير الرسل على شيء من المغيبات . 
وأيضا أطبق أهل الملل على أن معبر الرؤيا يخبر عن أمور مستقبلة ، ويكون صادقا فيها . 
وأيضا قد نقل السلطان «سنجر بن ملك شاه  » كاهنة من بغداد  إلى خراسان  ، وسألها عن أمور مستقبلة ، فأخبرته بها ، فوقعت على وفق كلامها . 
قال : وأخبرني ناس محققون في علم الكلام والحكمة : أنها أخبرت عن أمور غائبة بالتفصيل ، فكانت على وفق خبرها .  [ ص: 433 ] 
وبالغ أبو البركات  في كتاب «التعبير » في شرح حالها ، وقال : فحصت عن حالها ثلاثين سنة فتحققت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخبارا مطابقا ، وأيضا فإنا نشاهد ذلك في أصحاب الإلهامات الصادقة ، وقد يوجد ذلك في السحرة أيضا . 
وقد نرى الأحكام النجومية مطابقة ، وإن كانت قد تتخطف . فلو قلنا : إن القرآن يدل على خلاف هذه الأمور المحسوسة ، لتطرق الطعن إلى القرآن ، فيكون التأويل ما ذكرناه . انتهى كلامه بمعناه . 
قال محمد بن علي الشوكاني   -رحمه الله تعالى - : أما قوله : إذ لا صيغة عموم في غيبه ، فباطل ؛ فإن إضافة المصدر ، واسم الجنس من صيغ العموم كما صرح به أئمة الأصول وغيرهم . 
وأما قوله : وهو استثناء منقطع ، فمجرد دعوى يأباها النظم القرآني . 
وأما قوله : إن «شقا » و «سطحيا » إلخ ، فقد كانا في زمن يسترق فيه الشياطين السمع ، ويلقون ما يسمعونه إلى الكهان ، فيخلطون الصدق بالكذب كما ثبت في الحديث الصحيح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					