الباب الثالث في موضع خطبته- صلى الله عليه وسلم 
وفيه أنواع : 
الأول : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- على الأرض مستندا إلى راحلته .  
وروى  النسائي  عن  أبي سعيد الخدري-  رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام تبوك يخطب الناس ، وهو مسند ظهره إلى راحلته  . 
وروى الإمام  أحمد-  بسند جيد- عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب وظهره إلى الملتزم»  . 
الثاني : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- على البغلة وعلى ناقته .  
قال في «زاد المعاد» خطب- صلى الله عليه وسلم- على الأرض ، وعلى المنبر ، وعلى البعير ، وعلى ناقته . قلت : وعلى البغلة . 
وروى الإمام  أحمد   وأبو داود  عن هلال بن عامر المزني  عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى  يخطب على بغلة ، وعليه برد أحمر ،  وعلي-  رضي الله تعالى عنه- يعبر عنه»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   والترمذي-  بسند حسن صحيح-  والنسائي ،   والبيهقي  عن عمرو بن خارجة  قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى  وهو على راحلته ، وهي تقصع بجرتها ، ولعابها يسيل بين كتفيه  . 
وروى  الطبراني  عن الهرماس بن زياد-  رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب على ناقته ، فقال : «إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة ، إياكم  [ ص: 213 ] والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ، إياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم»  . 
الثالث : في اتخاذه- صلى الله عليه وسلم- المنبر .  
روى  ابن إسحاق   والبزار  بسند ضعيف عن  معاذ بن جبل-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إن أتخذ المنبر ، فقد اتخذه أبي إبراهيم ،  وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم»   . 
وروى الطيالسي  عن جرير-  رضي الله تعالى عنه- قال : «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على منبر صغير فحثنا على الصدقة»  . 
وروى  الطبراني  عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى على المنبر ، فإذا سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب»  . 
وروى الإمام  أحمد  عن  ابن عمر   وعبد الله ابن الإمام أحمد  عن  أبي بن كعب ،   وأبو يعلى  عن  أبي سعيد   والبزار  من طريق آخر عنه ،  وعبد بن حميد  من طريق آخر واللفظ له ،  وأبو يعلى  برجال ثقات ،  والطبراني  عن  جابر   والطبراني  عن  عائشة ،   والطبراني  برجال ثقات عن  أم سلمة-  رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة» ، وفي لفظ : أسند ظهره إليه ، إذا تكلم يوم الجمعة ، أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس ، فقال له الناس : يا رسول الله قد كثر الناس ، يعني المسلمين وإنهم ليحبون أن يروك ، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه فيراك الناس ، قال : «نعم» ، قال : «من يجعل لنا هذا المنبر» ، فقام إليه رجل فقال : أنا قال : «تجعله» قال : نعم ، ولم يقل إن شاء الله ، قال : «ما اسمك» ؟ قال : فلان ، قال : «اقعد» ، فقعد ، ثم عاد فقال : «من يجعل لنا هذا المنبر ؟ » فقام إليه رجل فقال : قال : تجعله ، قال : نعم ، ولم يقل إن شاء الله ، قال : «ما اسمك ؟ » قال : فلان ، قال : «اقعد» فقعد ، ثم عاد فقال : 
«من يجعل لنا هذا المنبر ؟ » فقام إليه رجل فقال : أنا ، قال : «تجعله» قال : نعم إن شاء الله قال : «ما  [ ص: 214 ] اسمك ؟ » قال إبراهيم  قال : اجعله فصنع له ثلاث درجات ، فلما كان يوم الجمعة ، واستوى عليه ، واستقبل القبلة حنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد . 
[وفي لفظ : «فخار الجذع كما تخور البقر جزعا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-»  . 
وفي لفظ حن كما تحن الناقة على ولدها ، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكن . 
وفي لفظ «فقال له اسكن إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون ، وإن شئت أعيدك كما كنت رطبا فاختار الآخرة على الدنيا فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع إلى  أبي بن كعب  فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة . 
ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إن هذه النخلة ، إنما حنت شوقا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة ، فلما كان من الغد رأيتها قد حولت فقلنا ما هذا ؟ قال : جاء  أبو بكر   وعمر  فحولوها» . 
وروى الشيخان عن  سلمة بن الأكوع-  رضي الله تعالى عنه- قال : كان جدار المسجد عند المنبر ، ما كادت الشاة تجوزها  .  [ ص: 215 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					