الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 436 ] خاتمة :

                                                                                                                                                                                                                              حاصل الأحاديث التي تقدمت : أن صومه- صلى الله عليه وسلم- من الشهر كان على أوجه :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : «أنه كان يصوم الاثنين والخميس والاثنين» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : «أنه كان يصوم أول اثنين من الشهر ، ثم الخميس ، ثم الخميس الذي يليه» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : «أنه كان يصوم من الشهر : السبت ، والأحد ، والاثنين ، ومن الشهر الآخر الثلاثاء ، والأربعاء والخميس» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : «أنه كان يصوم ثلاثة من أول الشهر» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : «كان يصوم ثلاثة غير معينة» .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : «كان يصوم الأيام البيض : ثالث عشر ، ورابع عشر ، وخامس عشر ، وسميت هذه الثلاثة أيام بذلك ، لأن القمر يكون فيها من أول الليل إلى آخره ، وليس في الشهر يوم أبيض كله ، إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ، ونهارها أبيض ، فصح قول من قال : الأيام البيض على الوصف ، واليوم الكامل هو النهار بليلته وفيه رد لقول الجواليقي من قال : الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ من قاله .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في سبب صيام قريش في الجاهلية يوم عاشوراء :

                                                                                                                                                                                                                              روي عن عكرمة- رحمه الله تعالى- قال : «أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا عظيما ، فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم ؟ قيل صوم عاشوراء» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني :

                                                                                                                                                                                                                              قول عائشة «فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة أي سفر الهجرة- كما صرح به العلماء- زعم بعض من يطلب العلم من أهل زماننا ، أنه سفر غيره ، وأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصمه إلا سنة واحدة قبل موته ، وهذا كلام غير صواب ، لم يسبق قائله إليه أحد من العلماء» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث :

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم ، والبرقاني ، عن الحكم بن الأعرج ، قال «سألت ابن عباس عن عاشوراء ، فقال : عن أي حالها تسأل ؟ قلت عن صيامه ، أي يوم أصومه ؟ ، قال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ثم أصبح من يوم تاسعه صائما ، فقلت أكذلك كان يصومه ؟ قال : نعم» . [ ص: 437 ]

                                                                                                                                                                                                                              الرابع :

                                                                                                                                                                                                                              استفيد من حديث عائشة : تعيين الوقت الذي وقع فيه بصيام عاشوراء ، وهو أول قدومه المدينة ، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول ، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية .

                                                                                                                                                                                                                              وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان ، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة ، ثم فوض الأمر بصومه إلى رأي المتطوع .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس :

                                                                                                                                                                                                                              استشكل بعضهم حديث ابن عباس ، بأنه- صلى الله عليه وسلم- إنما قدم المدينة في شهر ربيع الأول ، فكيف يقول ابن عباس أنه قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء ؟ . وأجاب ابن القيم : بأنه ليس في الحديث أن يوم قدومه وجدهم يصومونه ، فإنه قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشره ، ولكن أول علمه بذلك ووقوع القصة في اليوم الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : غايته أن في الكلام حذفا : تقديره قدم عليه الصلاة والسلام المدينة ، (فأقام إلى يوم عاشوراء) فوجد اليهود صياما (ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية ) .

                                                                                                                                                                                                                              السادس :

                                                                                                                                                                                                                              قال في حديث : كان يصوم شعبان إلا قليلا أي : يصوم معظمه .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال : جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر ، أن يقول : صام الشهر كله ، ويقال : قام فلان ليلته أجمع ، ولعله قد تعشى فاشتغل ببعض أمره ، قال الترمذي : كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وحاصله : أن الرواية الأولى : مفسرة للثانية ، ومخصصة لها ، وأن المراد بالكل الأكثر ، وهو مجاز قليل الاستعمال ، واستبعده الطيبي ، وقال : يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ، ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن المنير : إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة ، والمراد الأكثر ، وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول . فأخبرت عن أول أمره : أنه كان يصوم أكثر شعبان ، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : ولا يخفى تكلفه ، والأول هو الصواب . [ ص: 438 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية