الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في سحوره وتأخيره إياه :

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن الحارث ، عن رجل من الصحابة ، والنسائي عن أبي هريرة قال : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتسحر ، فقال : «إن السحور بركة ، أعطاكم الله إياها ، فلا تدعوها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ، عن العرباض بن سارية- رضي الله تعالى عنه- دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى السحور في رمضان فقال : «هلم إلى الغداء المبارك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «أمرنا معشر الأنبياء أن نؤخر سحورنا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، والشيخان ، والترمذي والنسائي عن أنس عن زيد بن ثابت قال : «تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة ، قال أنس بن مالك قلت كم كان قدر ما بينهما قال قدر خمسين آية» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عنه ، قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وذلك عند السحور : «يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا» ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال وقال «يا أنس انظر رجلا يأكل معي» ، فدعوت زيد بن ثابت فجاء ، فقال : «إني شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «وأنا أريد الصيام» ، فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ، ثم خرج إلى الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال : «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوذنه بالصلاة ، وهو يريد الصيام ، فشرب ثم ناولني وخرج إلى الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري ، عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- قال : «كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أحمد بن منيع ، وأبو يعلى ، برجال ثقات ، عن بلال- رضي الله تعالى عنه- قال : [ ص: 418 ] «أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوذنه بالصلاة ، وهو يريد الصيام فشرب ، وناولني ، ثم خرج إلى الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار من طريق سوار بن مصعب ، عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : دخل علقمة بن علاثة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعل يأكل معه فجاءه بلال فدعاه إلى الصلاة فلم يجب ، فرجع فمكث في المسجد ما شاء الله ، ثم رجع فقال : «الصلاة يا رسول الله ، قد والله أصبحت ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «رحم الله بلالا لولا بلال لرجونا أن يرخص لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس» قال علي : لولا أن بلالا حلف لأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى يقول له جبريل ارفع يدك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عامر بن مطر- رضي الله تعالى عنه- قال :

                                                                                                                                                                                                                              «تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى- برجال ثقات- عن علقمة بن سفيان الثقفي ، «أنه وفد إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان قال : وكان بلال يأتينا بفطرنا وسحورنا ونحن في قبة قد ضربت لنا في المسجد ، فيأتينا بفطرنا وإنا لمسفرون جدا وإنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الإسفار فيضع عشاءنا بين أيدينا فيقول : «كلوا» فنقول : بلال رده إنا نرى سفرا فيقول : ما جئتكم حتى أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم يضع يده في الطعام ، فيلتقم منه ويقول : كلوا ويأتينا بسحورنا وإنا لمستدفئون ونحن نتمارى في الصبح ويقول : كلوا قد كاد الفجر يطلع فنقول : يا بلال قد أصبحنا فيقول : لقد تركت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتسحر فتسحروا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول : لا يريد أن يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يريد أن يصوم ، وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ قدم المدينة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي ، عن زر بن حبيش قال : قلت لحذيفة «أي ساعة تسحرت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع» . [ ص: 419 ]

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في إتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين :

                                                                                                                                                                                                                              روى الدارقطني ، والبيهقي ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- : قالت «أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صائما صبح ثلاثين يوما فرأى هلال شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى» .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال في الهدي : «وإنما خص- صلى الله عليه وسلم- الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله ، وانتفاع القوى به ، لا سيما القوة الباصرة وحلاوة المدينة التمر ، ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم ، ورطبه فاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس ، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده ، ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء ، ثم يأكل بعده .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              السحور- بفتح السين المهملة : ما يتسحر به من الطعام ، والشراب .

                                                                                                                                                                                                                              الجدح- بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة : خلط الشيء بغيره ، والمراد خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي ، ومعنى الحديث : أنه- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا صياما ، فلما غربت الشمس أمره- صلى الله عليه وسلم- بالجدح ليفطروا ، فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي تبقى بعد غروب الشمس ، فظن أن الفطر لا يحصل إلا بعد ذهاب ذلك ، واحتمل عنده أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه ، ويؤيد هذا قوله : «إن عليك نهارا لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار يجب صومه» ، وهو معنى في الرواية الأخرى : لو أمسيت ، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم الأكل فيه ، مع تجويزه أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء قاله النووي .

                                                                                                                                                                                                                              النشر : بنون مفتوحة ، فمعجمة ساكنة فزاي : المكان المرتفع ، وجبت الشمس : غابت .

                                                                                                                                                                                                                              حسا- بحاء ، فسين مهملتين مفتوحتين : شرب ، والحسوة بالضم : الجرعة من الشراب ، بقدر ما يحسى مرة واحدة ، وبالفتح : المرة .

                                                                                                                                                                                                                              الظمأ- بظاء معجمة مشالة فميم فهمزة العطش .

                                                                                                                                                                                                                              الأبرار- بهمزة مفتوحة ، فموحدة ساكنة ، فراءين بينهما ألف جمع بار ، وكثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد .

                                                                                                                                                                                                                              علاثة- بعين مهملة مضمومة ، فلام ، فألف فمثلثة : سمن وأقط يخلط وكل شيئين خلطا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 420 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية