الباب الخامس في صفة خطبته وما وقفت عليه من خطبه- صلى الله عليه وسلم  
قال في «زاد المعاد» : كان مدار خطبته- صلى الله عليه وسلم- على حمد الله ، والثناء عليه بآلائه ، وصفات كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بالتقوى ، وتبيين موارد غضبه ، ومواقع رضاه . 
وكان يقول في خطبه أيضا : «أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ، ولكن سددوا وأبشروا» ، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله تعالى ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة . 
كان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس . كانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة ، وكان يخطب النساء على حدة ويحثهن على الصدقة . 
ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته ، ولم يكن يلبس ما يلبسه الخطباء اليوم ، ولا طرحة ولا غيرها ، وكان يخطب على الأرض ، وعلى المنبر ، وعلى البعير ، وعلى الناقة . 
وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته كأنه منذر جيش ، وكان يخطب كثيرا بالقرآن ، وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ أنه على سيف . 
وكان منبره على ثلاث درجات ، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط ، ولم يقل شيئا قبله ولا بعده . 
فإذا أخذ في الخطبة واشتد غضبه ، لم يرفع أحد صوته ، بشيء ألبتة- لا مؤذن ولا غيره . 
وروى  أبو داود ،  عن  ابن مسعود-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا تشهد قال : «الحمد لله نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا  عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا»  . 
وفي رواية  ابن شهاب  مرسلا : «ومن يعصهما فقد غوى» .  [ ص: 223 ] 
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يطيعه ، ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ، ويجتنب سخطه ، فإنما نحن به وله . 
وروى  الطبراني  برجال ثقات عنه قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «أما بعد»  . 
وروى  الطبراني  عن  شداد بن أوس-  رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، وإن الآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قادر ، يحق الحق ، ويبطل الباطل ، أيها الناس كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا ، فإن كل أم يتبعها ولدها»  . 
وروى الإمامان  الشافعي ،   وأحمد ،   ومسلم ،   وابن ماجه ،  عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب يوما فقال : «إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا  عبده ورسوله ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله»  . 
وروى  ابن أبي الدنيا ،   والبيهقي  في «الشعب» ، عن  الحسن البصري-  رحمه الله تعالى- قال : طلبت خطبة النبي- صلى الله عليه وسلم- في الجمعة فأعيتني ، فلزمت رجلا من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك فقال : كان يقول في خطبته يوم الجمعة : «يا أيها الناس إن لكم علما فانتهوا إلى علمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، فإن المؤمن بين مخافتين ، بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه ، فليتزود المؤمن لنفسه بنفسه ، ومن دنياه لآخرته . الدنيا خلقت لكم ، والذي نفس محمد  بيده ما بعد الموت مستعتب وما بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار ، وأستغفر الله لي ولكم  . 
وروى  البيهقي  في «الأسماء والصفات» عن  ابن شهاب  قال : بلغنا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول إذا خطب : «كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت ، لا يعجل الله بعجلة أحد ولا يخف لأمر الناس ، ما شاء الله كان ولو كره الناس ، لا مبعد لما قرب الله ، ولا مقرب لما بعد الله ، ولا يكون شيء إلا بإذن الله بحق»  .  [ ص: 224 ] 
وروى الإمام  أحمد  برجال الصحيح عن  النعمان بن بشير-  رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول : «أنذرتكم النار ، أنذرتكم النار» ، حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال : حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه . 
وفي رواية «وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وأبو داود ،  عن  زيد بن أرقم-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطبهم فقال : «أما بعد»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   والنسائي ،   ومسلم ،   وابن ماجه ،  عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إذا خطب» . 
وفي رواية : إذا ذكر الساعة احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : «صبحكم»  . 
وفي رواية : كانت خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله ، ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول بأثر ذلك وقد علا صوته انتهى . 
«أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ،  وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» ، ثم يقول : «من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ثم يقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين ، ثم يقول : من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك ضياعا فعلي وإلي فأنا أولى بالمؤمنين»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   والطبراني ،   والبزار-  على الشك- برجال الصحيح عن  علي  أو  الزبير-  رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه ، وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة ، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل  لم يتبسم حتى يرتفع  . 
وروى الإمام  الشافعي ،  عن عمرو-  رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب يوما فقال في خطبته : «ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ، ألا وإن الآخرة أجل صادق ، يقضي فيها ملك قادر ، ألا إن الخير كله بحذافيره في الجنة ، ألا وإن الشر كله  [ ص: 225 ] بحذافيره في النار ، [ألا فاعلموا] وأنتم من الله- عز وجل- على حذر ، واعلموا أنكم معرضون على أعمالكم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره   . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره   . 
وروى الإمامان :  الشافعي ،   وأحمد ،   وأبو داود ،   والنسائي ،   وابن ماجه ،   وأحمد بن منيع ،  عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان-  رضي الله تعالى عنها- قالت : «ما أخذت ق والقرآن المجيد  إلا من في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس»  . 
وروى ابن سعد  عن أم صبية : خولة بنت قيس الجهنية-  رضي الله تعالى عنها- قالت : 
«كنت أسمع خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة وأنا في مؤخر النساء وأسمع قراءة ق والقرآن المجيد  على المنبر وأنا في مؤخر المسجد»  . 
وروى الشيخان ،  وأبو داود ،   والترمذي ،  عن  يعلى بن أمية-  رضي الله تعالى عنه- قال : 
سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك   [الزخرف 77] . 
وروى الإمام  أحمد ،   ومسلم ،  والثلاثة ، عن  جابر بن سمرة-  رضي الله تعالى عنه- قال : 
«كنت أصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصلوات فكانت صلاته قصدا ، وخطبته قصدا» ، زاد  أبو داود :  «يقرأ بآيات من القرآن ، ويذكر الناس» . 
وروى  أبو داود  عنه : قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وأبو داود ،   وأبو نعيم  عن الحكم بن حزن الكلفي  أنه شهد الجمعة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقام فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال : 
«أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ، ولكن سددوا وأبشروا»  . 
وروى  النسائي  عن  عبد الله بن أبي أوفى-  رضي الله تعالى عنه- قال : «كان  [ ص: 226 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكثر الذكر ، ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة ، والمسكين لبعض الحاجة»  . 
وروى الإمام  أحمد ،   وابن ماجه ،  عن  أبي بن كعب-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم يذكر بأيام الله»  . 
وروى  عبد الله ابن الإمام أحمد  برجال الصحيح عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ يوم الجمعة (براءة ) وهو قائم يذكر بأيام الله تعالى  . 
وروى  عبد بن حميد-  بسند ضعيف- عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ في خطبته (المائدة ) وسورة (التوبة ) ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «أحلوا ما أحل الله فيهما وحرموا ما حرم الله تعالى فيهما»  . 
وروى  الطبراني  برجال ثقات غير إسحاق بن زريق  فيحرر حاله عن  علي-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ على المنبر قل يا أيها الكافرون  و قل هو الله أحد   . 
وروى  الطبراني  عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب فقرأ في خطبته آخر (الزمر ) فتحرك المنبر مرتين»  . 
وروى  البزار ،   والطبراني ،  عن  سمرة بن جندب-  رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات كل جمعة»  . 
وروى  البيهقي ،  عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- قال : «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «يا أيها الناس توبوا قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم ترحموا»  .  [ ص: 227 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					