الباب الثالث في حزنه وبكائه- صلى الله عليه وسلم-  إذا مات أحد من أصحابه 
روى  الإمام أحمد ،  والشيخان ،  وأبو داود ،   والنسائي ،  عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- قالت : لما جاء للنبي- صلى الله عليه وسلم- قتل  زيد بن حارثة ،   وجعفر بن أبي طالب ،  وابن رواحة  جلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعرف في وجهه الحزن وأنا أنظر من صائر الباب- يعني شق الباب  . 
وروى  الإمام أحمد ،  والشيخان ،  وأبو داود ،   وابن ماجه-  وتقدم مبسوطا في السرايا- عن  أنس-  رضي الله تعالى عنه- قال : بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سرية يقال لهم القراء فأصيبوا يوم بئر معونة- فما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حزن حزنا قط أشد منه . 
وروى  أحمد بن منيع   والبزار ،   وأبو يعلى ،  عن  عبد الرحمن بن عوف-  رضي الله تعالى عنه- قال : أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيدي فأدخلني النخل فإذا إبراهيم  يجود بنفسه ، فوضعه في حجره حتى خرجت نفسه ، فوضعه ثم بكى ، فقلت : «تبكي يا رسول الله وأنت تنهى عن البكاء ؟ قال : «إني لم أنه عن البكاء ، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين :  صوت عند نعمة لهو ، ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة : لطم وجوه ، وشق جيوب ، وهذه رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه وعد صادق وقول حق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا ، وإنا عليك يا إبراهيم  لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط ربنا عز وجل»  . 
وروى الشيخان عن  ابن عمر-  رضي الله تعالى عنهما- قال : «اشتكى  سعد بن عبادة  شكوى له ، فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوده مع  عبد الرحمن بن عوف ،   وسعد بن أبي وقاص ،   وعبد الله بن مسعود-  رضي الله تعالى عنهم- فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله ، فقال : «قد قضى» فقالوا : لا ، يا رسول الله ، فبكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رأى القوم بكاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بكوا ، فقال : «ألا تسمعون ، إن الله- عز وجل- لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا ، وأشار إلى لسانه- أو يرحم»  . 
وروى الشيخان ،  وأبو داود ،  عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «دخلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أبي سيف  القين ، وكان ظئرا لإبراهيم ،  فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنه  [ ص: 356 ] إبراهيم  فقبله وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم  يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تذرفان ، فقال ابن عوف :  وأنت يا رسول الله ، فقال يا ابن عوف :  «إنها رحمة» ثم أتبعها بأخرى ، فقال : «إن العين تدمع ، وإن القلب يخشع ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا- عز وجل- ، وإنا بفراقك يا إبراهيم  لمحزونون»  . 
وروى الشيخان ،  والإمام أحمد ،   وأبو داود ،   والنسائي ،   والبيهقي  عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «أخذ الراية زيد  فأصيب ، ثم أخذها جعفر  فأصيب ، ثم أخذها  عبد الله بن رواحة  فأصيب» ، وإن عيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لتذرفان . الحديث . 
وروى  أحمد بن منيع  بسند على شرط الصحيحين عن  قيس بن أبي حازم-  رحمه الله تعالى- قال : جاء  أسامة بن زيد-  رضي الله تعالى عنهما- بعد قتل أبيه ، فقام بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدمعت عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاء من الغد فقام في مقامه ذلك ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم : «ألاقي أنا منك اليوم ما لقيت منك أمس»  . 
وروى  ابن ماجه ،  وأبو يعلى الموصلي ،  عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- قالت : لما وجع سعد ،  وجد به الموت ، فبكى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ،   وعمر ،  حتى إني لأعرف بكاء  أبي بكر  من بكاء  عمر ،  وأنا أبكي ، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تذرف عيناه ، ويمسح وجهه ، ولا يسمع صوته . 
وروى  البخاري ،  عن  أنس-  رضي الله تعالى عنه- قال : «شهدنا بنتا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان»  . 
وروى ابن سعد ،   وابن أبي شيبة ،  عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- قالت : كان عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا تدمع على أحد ، ولكن كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته»  . 
وروى  الطبراني-  مرسلا- برجال ثقات ، عن أبي النضر سالم-  رحمه الله تعالى- قال : دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على  عثمان بن مظعون ،  وهو يموت ، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثوب فسجي عليه ، وكان  عثمان  نازلا على امرأة من الأنصار ، ويقال لها : أم معاذ  قالت : فمكث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكبا عليه طويلا ، وأصحابه معه ثم تنحى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبكى ، فلما بكى بكى أهل البيت ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «رحمك الله أبا السائب»   .  [ ص: 357 ] 
وروى الطيالسي ،   وأحمد ،   وابن أبي شيبة ،  واللفظ للأول ، عن  ابن عباس-  رضي الله تعالى عنهما- قال : بكت النساء على  رقية ،  فجعل عمر ينهاهن ، أو يضربهن»  . وفي رواية : 
«فجعل  عمر  يضربهن بسوطه ، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده وقال : «دعهن» وقال : «ابكين وإياكن ونعيق الشيطان ، فإنه ما كان من العين والقلب فمن الرحمة ، وما كان من اللسان واليد فمن الشيطان» ، ورجعت فاطمة  تبكي على شفير قبر  رقية ،  فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمسح الدموع عن وجهها بيده ، أو قال : «بالثوب»  . 
وروى  مسدد-  برجال ثقات- عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن-  رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد رجلا من بني معاوية فوجده قد احتضر ، ونساؤه تبكيه ، فذهب الرجال يوزعون النساء ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «دعوهن فإذا وجبت فلا تسمعن صوت نائحتهم»  . 
وروى الطيالسي ،  والجنيدي ،  وعبد ،   وابن حبان ،  عن  أبي هريرة-  رضي الله تعالى عنه- قال : كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جنازة فرأى  عمر  نساء يبكين فتناولهن ، أو صاح بهن ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «يا  عمر  دعهن ، فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب»  . 
وروى  الإمام أحمد ،   وأبو داود ،   والترمذي ،  وقال : حسن صحيح ،  وابن ماجه ،  عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- قالت : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل  عثمان بن مظعون ،  وهو ميت ، وعيناه تذرفان حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه»  .  [ ص: 358 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					