الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

659 - إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني:

سمع من أبيه ، وأنس ، وابن المسيب ، وغيرهم . روى عنه حماد بن سلمة وغيره .

[ ص: 221 ]

ولي قضاء البصرة لعمر بن عبد العزيز ، وكانت له فراسة وذكاء وفطنة . وتوفي في هذه السنة وكان له عقب .

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد ، قال: حدثنا الحسين بن المتوكل ، قال: حدثنا أبو الحسن المدائني ، عن أبي إسحاق بن حفص ، قال: قيل لإياس بن معاوية: فيك أربع خصال: دمامة ، وكثرة كلام ، وإعجاب بنفسك ، وتعجيل في القضاء .

قال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري ، وأما كثرة الكلام فبصواب أم بخطأ؟ قالوا: بصواب ، قال: فالإكثار من الصواب أمثل . وأما إعجابي بنفسي ، أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم ، قال: فإني أحق أن أعجب بنفسي . وأما قولكم: إني أعجل بالقضاء ، فكم هذه -وأشار بيده خمسة؟- فقالوا: خمسة ، فقال: عجلتم ، ألا قلتم: واحد واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة؟ قالوا: ما نعد شيئا قد عرفناه ، قال: فما أحبس شيئا قد تبين لي فيه الحكم .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ، قال: أخبرنا أبو اليسر إبراهيم بن موسى الجزري ، قال: حدثنا القاضي المقدمي ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب ، قال: حدثنا قريش بن أنس ، عن حبيب بن الشهيد ، قال: كنت جالسا عند إياس بن معاوية ، فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطول عليه ، فأقبل عليه إياس فقال: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن فإنه معلمي ومعلم أبي ، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بن يعلى -وكان على قضاء البصرة يومئذ- وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل ، وتدري ما يقول لك؟ يقول لك: حط عنه شيئا ، ويقول لصاحبك: زده شيئا؛ حتى يصلح بينكما ، وإن كنت تريد الشغب فعليك بصالح السدوسي ، وتدري ما يقول لك؟ اجحد ما عليك ، وادع ما ليس لك ، وادع بينة غيبا .

660 - زبيد اليامي:

أدرك ابن عمر وأنسا ، وكان عابدا ثقة دينا ، كان يقول سعيد بن جبير: لو خيرت [ ص: 222 ] عبدا ألقى الله في صلاحه لاخترت زبيدا اليامي .

أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان ، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي ، قال: حدثنا محمد بن المسيب ، قال: حدثنا يوسف بن موسى ، قال: حدثنا جرير ، عن ابن شبرمة ، قال: كان زبيد اليامي يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءا عليه ، وجزءا على عبد الرحمن ابنه ، وجزءا على عبد الله ابنه ، فكان زبيد يصلي ثلث الليل ثم يقول لأحدهما: قم ، فإن تكاسل صلى جزأه ، ثم يقول للآخر: قم ، فإن تكاسل صلى جزأه ، فيصلي الليل كله .

أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناده عن سفيان ، قال: كان زبيد إذا كانت ليلة مطيرة أخذ شعلة من النار فطاف على عجائز الحي فقال: أولف عليكم بيت؟ أتريدون نارا؟ فإذا أصبح طاف على عجائز الحي: ألكم في السوق حاجة؟! أو: تريدون شيئا؟!

قال أحمد: حدثني أبو سعيد الأشج ، حدثني المجازي ، عن سفيان ، قال: دخلنا على زبيد نعوده ، فقلنا: شفاك الله ، فقال: أستجير الله .

توفي زبيد في هذه السنة ، وكان طلحة أسن منه بعشر سنين ، فاستوفى زبيد عشر سنين ثم مات .

661 - سيار بن دينار -ويقال: ابن وردان- أبو الحكم القسري:

روى عن طارق] بن شهاب ، والشعبي ، وأبي وائل ، وأبي حازم ، وكان شديد الحزن كثير البكاء . وقال: إن الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان في قلب عبد ، إذا سكن أحدهما القلب خرج الآخر .

أنبأنا يحيى بن الحسين بن البناء ، قال: أنبأنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن الحاجري ، قال: أخبرنا محمد بن عثمان بن [ ص: 223 ] سمعان ، قال: أخبرنا أسلم بن سهل الرزاز ، قال: حدثنا وهب بن بقية ، قال: أخبرني حسين بن زياد ، قال: بعث بعض القضاة إلى سيار بواسط ، فأتاه فقال له: لم لا تجيء إلينا؟ فقال له: إن أدنيتني فتنتني ، وإن باعدتني غممتني ، وليس عندك ما أرجو ، ولا عندي ما أخافك عليه . ثم قام .

قال أسلم: وحدثني عبد الحميد بن بيان ، قال: سمعت أبي يقول: خرج سيار بن يسار إلى البصرة ، فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع ، وكان حسن الصلاة وعليه ثياب جياد ، فرأه مالك بن دينار فجلس إليه ، فسلم سيار ، فقال له مالك: هذه الصلاة وهذه الثياب؟ فقال له سيار: ثيابي هذه ترفعني عندك أو تضعني؟ قال: تضعك ، قال: هذا أردت ، ثم قال له: يا مالك ، إني لأحسب ثوبيك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك من الله ، فبكى مالك وقال له: أنت سيار؟ قال: نعم ، فعانقه .

وفي رواية: جاء مالك فقعد بين يديه .

662 - عبد الملك بن حبيب ، أبو عمران الجوني:

أسند عن أنس ، وجندب بن عبد الله ، وعائذ بن عمرو ، وأبي برزة ، وكان عالما متعبدا .

قال أبو بكر القرشي: حدثني محمد بن الحسين ، قال: حدثني أبو عمر الضرير ، قال: حدثنا الحارث بن سعيد ، قال: كان أبو عمران الجوني إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه .

663 - عثمان بن أبي دهرش المكي:

يروي عن رجل من الصحابة ، روى عنه ابن عيينة .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد ، قال: أخبرنا ابن [ ص: 224 ] المذهب ، قال: حدثنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني العباس بن محمد مولى بني هاشم ، قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، عن عبد الله بن المبارك ، عن عثمان بن أبي دهرش: أنه كان إذا رأى الفجر أقبل عليه تنبه وقال: أسير الآن مع الناس ولا أدري ما أجني على نفسي .

وقال عثمان: ما صليت صلاة قط إلا استغفرت الله عز وجل من تقصيري فيها .

664 - مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، كنيته أبو سعيد:

كان شجاعا جوادا ذا رأي وحزم وفضل ، وغزا غزوات ، وكان حسن التدبير .

قال: ما لمت نفسي على خطأ افتتحته بحزم ، ولا حمدتها على صواب افتتحته بعجز .

وإنما زوت عنه بنو أمية؛ لأن أمه أم ولد . [توفي في هذه السنة] .

[ ص: 225 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية