ثم دخلت سنة أربع ومائة 
فمن الحوادث فيها أن سعيدا الحرشي  غزا فقطع النهر ، فقتل أهل الصغد  واصطفى أموالهم وذراريهم ،  وكتب إلى  يزيد بن عبد الملك  ولم يكتب إلى  عمر بن هبيرة ،  وكان هذا فيما وجد عليه  ابن هبيرة  فيه ، وكان على الأقباض علباء بن أحمر  فاشترى رجل منه جونة بدرهمين ، فوجد فيها سبائك ذهب ، فرجع وهو واضع يده على عينه كأنه رمد فرد الجونة وأخذ الدرهمين ، وطلب فلم يوجد . 
وفي هذه السنة: عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس  عن مكة  والمدينة ،   وذلك للنصف من ربيع الأول ، وكان عامله على المدينة  ثلاث سنين ، وولى المدينة  عبد الواحد النضري   . 
وكان سبب عزل ابن الضحاك  أنه خطب فاطمة بنت الحسين ،  فقالت: ما أريد النكاح ، فألح عليها وتوعدها بأن يؤذي ولدها ، وكان على ديوان المدينة  ابن هرمز الشامي ،  فدخل على فاطمة ،  فقال: هل من حاجة؟ فقالت: تخبر أمير المؤمنين ما ألقى  [ ص: 88 ] من ابن الضحاك ،  وبعثت رسولا بكتاب إلى يزيد تخبره بذلك ، وتذكر قرابتها وما يتواعدها به ، فقدم ابن هرمز  على يزيد  فاستخبره عن المدينة  وقال: هل من مغربة خبر؟ فلم يذكر له شأن فاطمة ، فقال الحاجب: بالباب رسول فاطمة ،  فقال ابن هرمز   : يا أمير المؤمنين ، إن فاطمة  يوم خرجت حملتني رسالة إليك ، وأخبره الخبر . 
قال: فنزل من أعلى فراشه وقال: لا أم لك ، أسألك عن مغربة خبر ، وهذا عندك ولا تخبرنيه؟ فاعتذر بالنسيان ، فأذن للرسول فدخل وأخذ الكتاب فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يده ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك ،   [هل] من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ قيل له: عبد الواحد بن عبد الله النضري ،  فدعا بقرطاس وكتب بيده إلى عبد الواحد  وهو بالطائف   : سلام عليك ، أما بعد . فقد وليتك المدينة ،  فإذا جاءك كتابي فاهبط إليها واعزل ابن الضحاك  وأغرمه أربعين ألف دينار وعد به حتى أسمع صوته وأنا على فراشي . 
فقدم البريد المدينة  فلم يدخل على ابن الضحاك ،  فأحس بالشر ، فأرسل إلى البريد فكشف له عن طرف المفرش فقال: هذه ألف دينار ولك العهد والميثاق ، إن أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك . فاستنظر البريد ثلاثا حتى يسير ، وخرج ابن الضحاك ،  فأغذ السير حتى نزل على  مسلمة بن عبد الملك ،  فقال: أنا في جوارك ، فغدا مسلمة على يزيد فرققه وقال: لي حاجة إليك ، فقال: كل حاجة فهي لك ما لم يكن ابن الضحاك ، فقال: هو ابن الضحاك ، فقال: والله لا أعفيه أبدا وقد فعل ما فعل ، فرده إلى النضري ، وكان قد قدم المدينة  للنصف من شوال . وعذب ابن الضحاك  وافتقر حتى رأيت عليه جبة صوف وهو يسأل الناس .  
وكان قد عادى الأنصار في ولايته ، وضرب أبا بكر بن حزم  ظلما في باطل ، فما بقي بالمدينة  صالح إلا عابه ، ولا شاعر إلا هجاه ، وكان ذلك آخر أمره .  [ ص: 89 ] 
وفي هذه السنة: غزا الحجاج بن عبد الله الحكمي  أرض الترك ،  ففتح على يديه بلنجر ، وفتحوا الحصون التي تليها ، وجلا عنها عامة أهلها وسبوا ما شاءوا . 
وفيها: ولد أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس  في ربيع الآخر . 
وفيها: عزل  ابن هبيرة   سعيد بن عمرو الحرشي  عن خراسان ،  وولى مسلم بن سعيد الكلابي    . وسبب عزله الحرشي أن الحرشي كان يستخف بأمر  ابن هبيرة ،  وكتب إليه يأمره بتخلية رجل فقتله ، فدعى  ابن هبيرة  رجلا فقال له: اخرج إلى خراسان  وأظهر أنك قد قدمت تنظر في [أمر] الدواوين واعلم لي علمه ، فمضى فجعل ينظر في الدواوين ، فقيل للحرشي إنه لم يقدم إلا ليعلم علمك ، فسم بطيخة ، وبعث بها إليه فأكلها فمرض وتساقط شعره ، ورجع إلى ابن هبيرة ، فغضب  ابن هبيرة ،  وعزل سعيدا  وعذبه ، وولى مسلم بن سعيد بن أسلم   . 
وفي هذه السنة: حج بالناس عبد الواحد بن عبد الله النضري   ، وكان هو العامل على مكة   [ والمدينة   ] والطائف ،  وكان على العراق  والمشرق  عمر بن هبيرة ،  وعلى قضاء الكوفة  حسين بن الحسن الكندي ،  وعلى قضاء البصرة  عبد الله بن يعلى   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					