باب ذكر خلافة مروان بن محمد بن مروان   
وهو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ، ويكنى أبا عبد الله ، وقيل: أبا عبد الملك ، وقيل: أبا الوليد ،  أمه أم ولد كردية ، وقيل: رومية ، اسمها مارية البرما ،  بويع له وهو ابن إحدى وخمسين سنة ، ويلقب بالجعدي؛  لأن الجعد بن إبراهيم  كان مؤدبه ، وكان الجعد  متهما بالزندقة ، فقتله  خالد بن عبد الله القسري ،  وخص مروان  في ملكه بأشياء لم تكن لمن بعده ، منها البقرة التي يضرب بها المثل ، كان يقف تحته في الحرب يومه وليلته لا يبول ولا يروث . 
قال  الأصمعي:  خطباء بني أمية  خمسة:  معاوية ،  وعبد الملك ،   وعمر بن عبد العزيز ،  وهشام ،  ومروان بن محمد .  
وفي هذه السنة: انتقض على مروان  أهل حمص ،  وسائر أهل الشام  فحاربهم .  
وذلك أنه أقام بحران  بعد أن بويع له أربعة أشهر ، وقيل: ثلاثة أشهر -وهو الأصح- ثم خالفه أهل الشام ،  وكان الذي دعاهم إلى ذلك ثابت بن نعيم ،  راسلهم وكاتبهم ، فبلغ مروان  خبرهم ، فسار إليهم بنفسه ومعه إبراهيم بن يزيد  المخلوع ، وسليمان بن هشام  يكرمهما ويجلسان معه على غدائه وعشائه ، فانتهى إلى حمص ،  فأحدقت بها خيله فأشرفوا عليه ، فناداهم مناديه: ما الذي دعاكم إلى النكث؟ فقالوا: لم ننكث ، فاقتحم عمرو بن الوضاح  في ثلاثة آلاف ، فقاتلوهم داخل المدينة ،  فلما كثرتهم خيل  [ ص: 261 ] مروان  انتهوا إلى باب من أبواب المدينة  يقال له: باب تدمر ،  فخرجوا منه والروابط عليهم ، فقاتلوهم ، فقتل عامتهم وأسر منهم قوم ، فأتي بهم مروان  فقتلهم ، وأمر بالقتلى وهم نحو من ستمائة ، فصلبوا حول المدينة ،  وهدم من حائط المدينة  نحو من غلوة ، وثار أهل الغوطة  إلى دمشق  فحاصروا أميرهم زامل بن عمرو ،  وولوا عليهم يزيد بن خالد القسري ،  وقتل مروان  خلقا كثيرا ، وأقام بدير أيوب  حتى بايع لابنيه: عبيد الله ،  وعبد الله ،  وزوجهما ابنتي  هشام بن عبد الملك ،  وهما: أم هشام ،   وعائشة .  وقطع على جند أهل الشام  بعثا ، وأمرهم باللحاق بيزيد بن عمر بن هبيرة ،  وكان قبل مسيره إلى الشام  قد وجهه في عشرة آلاف من أهل قنسرين  والجزيرة ،  وصيره مقدمة له وانصرف مروان  إلى قرقيسياء  وابن هبيرة  بها ليقدمه إلى العراق  لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني الحروري .  
وأقبل نحو من عشرة آلاف ممن كان مروان  قطع عليه البعث بدير أيوب  لغزو العراق   [مع قوادهم] ، فزادهم حتى جاءوا الرصافة  فدعوا سليمان  إلى خلع مروان  ومحاربته . 
وفي هذه السنة: خرج الضحاك بن قيس الشيباني ،  فدخل الكوفة .  وسبب ذلك أنه لما قتل الوليد  خرج بالجزيرة  حروري يقال له سعيد بن بهدلة الشيباني  في مائتين من أهل الجزيرة  وفيهم الضحاك ،  فاغتنم قتل الوليد  واشتغال مروان بالشام ،  وخرج بسطام البيهقي  وهو مفارق لرأيه في مثل عدتهم من ربيعة ، فسار كل واحد منهما إلى صاحبه ، فلما تقارب العسكران قتل بسطام  وجميع من معه إلا أربعة عشر لحقوا بمروان ،  فكانوا معه . ثم مضى سعيد بن بهدلة  نحو العراق  لما بلغه من تشتت الأمر بها ، واختلاف أهل الشام ،  فمات سعيد بن بهدلة  من طاعون أصابه ، واستخلف  الضحاك بن قيس ،  فاجتمع مع الضحاك  نحو من ألف ، فتوجه إلى الكوفة  ومر بأرض الموصل  فاتبعه منها ومن السواد نحو من ثلاثة آلاف ، فبرز له أهل الكوفة  فهزمهم واستولى على الكوفة   [ ص: 262 ] ومضى إلى واسط  فحاصرها وخرجوا يقاتلونه ، فلم يزالوا على ذلك شعبان ورمضان وشوالا ، ثم خرج والي واسط  إلى الخارجي فبايعه . 
وفيها: خلع سليمان بن هشام بن عبد الملك  مروان بن محمد  ونصب له الحرب .  وذلك أنه لما شخص مروان  إلى الرقة  لتوجه  ابن هبيرة  إلى العراق  لمحاربة  الضحاك بن قيس  استأذنه سليمان بن هشام  أن يقيم [أياما] لإصلاح أمره ، فأذن له فقيل له: أنت أرضى عند أهل الشام  من مروان  وأولى بالخلافة ، فأجابهم وعسكر بهم وسار بهم إلى قنسرين  ، وكاتب أهل الشام  فانفضوا إليه من كل جانب ، فأقبل إلى مروان  وكتب إلى  ابن هبيرة  يأمره بالثبوت في عسكره ، واجتمع إلى سليمان بن هشام  نحو من سبعين ألفا من أهل الشام  وغيرهم ، فلما دنا منه مروان  قدم إليه السكسكي  في نحو من سبعة آلاف ، ووجه مروان عيسى بن مسلم  في نحو من عدتهم ، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، وانهزمت مقدمة مروان ،  فانهزم سليمان ،  واتبعته خيول مروان  تقتلهم وتأسرهم ، واستباحوا عسكرهم ، وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفا ، ومضى سليمان  مفلولا حتى انتهى إلى حمص ،  فانضم إليه من أفلت من أصحابه ، فعسكر بهم ، وبنى ما كان مروان  هدمه من حيطانها ، وجاءهم مروان  فخرجوا إليه فاقتتلوا ، وعلم سليمان  أنه لا طاقة له بهم ، فذهب إلى تدمر .  ونزل مروان  بحمص  فحاصرهم عشرة أشهر ، ونصب عليهم نيفا وثمانين منجنيقا وهم في ذلك يخرجون إليه فيقاتلونه ، ثم استأمنوه على أن يدفعوا إليه جماعة ممن كان يسبه ويؤذيه ، فقبل ذلك منهم ، ثم أقبل متوجها إلى الضحاك ،  فارتحل الضحاك  حتى لقي مروان  بكفرتوثا من أرض الجزيرة .  
وفي هذه السنة: توجه  سليمان بن كثير  ولاهز بن قريظة ،  وقحطبة بن شبيب  إلى مكة ،  فلقوا إبراهيم بن محمد الإمام  بها ، وأعلموه أن معهم عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم ومسكا ومتاعا كثيرا ، فأمرهم بدفع ذلك إلى عروة مولى محمد بن علي ،  وكانوا قدموا معهم ب أبي مسلم  في ذلك العام ، فقال  سليمان بن كثير  لإبراهيم:  هذا مولاك . 
 [ ص: 263 ] 
وفي هذه السنة: حج بالناس عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز  وهو عامل مروان على مكة  والمدينة  والطائف ،  وكان العامل على العراق  النضر بن الحرشي ،  وكان بخراسان  نصر بن سيار .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					