، وأفاض- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء بعد الظهر ، إلى المحصب وهو الأبطح ، وهو خيف بني كنانة فوجد أبا رافع قد ضرب فيه قباء هنالك ، وكان على ثقله توفيقا من الله تعالى دون أن يأمره به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ورقد رقدة ثم نهض إلى ولم يتعجل- صلى الله عليه وسلم- في يومين ، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة مكة . [ ص: 484 ]
فطاف للوداع ليلا سحرا ، ولم يرمل في هذا الطواف .
ثم خرج إلى أسفل مكة قلت : من المسجد من باب الحرورية وهو باب الخياطين . رواه عن الطبراني ، ابن عمر .
وأخبرته صفية أنها حائض ، فقال : «أحابستنا هي ؟ » فقيل إنها قد أفاضت ، قال : «فلتنفر إذن» ، تلك الليلة أن يعمرها عمرة مفردة فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها فأبت إلا أن تعتمر عمرة منفردة فأمر أخاها عائشة عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ، ففرغت من عمرتها ليلا ، ثم وافت المحصب مع أخيها فأتيا في جوف الليل ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : فرغتما ؟ قالت : نعم . ورغبت إليه
فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ، ثم طاف بالبيت قبل صلاة الصبح ، هذا لفظ عنها من طريق البخاري القاسم .
وفي الصحيح من طريق الأسود عنها قالت : فذكر الحديث . خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا نرى إلا الحج
. فلما كانت ليلة الحصبة قلت : يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة ، فقال : «أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة ؟ » ، قلت : لا : قال : «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم ، فأهلي بعمرة ، ثم موعدك مكان كذا وكذا»
فلقيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مصعدا على عائشة : أهل مكة وأنا منهبطة ، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها . قالت
وظاهر هذا أنهما تقابلا في الطريق ، وفي الأول أنه انتظرها في منزله فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه ، وقولها تعني وهو مصعد من مكة ، وأنا منهبطة عليها للعمرة ، وهذا ينافي انتظاره لها في المحصب ، قال : فإن كان حديث الأسود محفوظا عنها فصوابه مكة وهو منهبط إليها فإنها طافت وقضت عمرتها ثم أصعدت لميعاده فوافته وهو قد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع ، فارتحل وأذن في الناس بالرحيل» ، ولا وجه لحديث «لقيني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا مصعدة من الأسود غير هذا .
ويؤيد هذا ما رواه الشيخان عنها من طريق- قالت : [ ص: 485 ] حين قضى الله الحج ونفرنا من منى ، فنزلنا بالمحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : اخرج بأختك من الحرم ثم افرغا من طوافها ، ثم ائتياني بها بالمحصب ، قالت : فقضى الله العمرة وفرغنا من طوافنا من جوف الليل ، وأتيناه بالمحصب وقال : «فرغتما ؟ » قلنا : نعم فأذن في الناس بالرحيل .
قلت : بعد حجه يعوده من وجع أصابه ، فقال : يا رسول الله بي ما ترى من الوجع ، وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة فأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلت : فالشطر ؟ ، قال : لا . قال : «الثلث والثلث كثير ، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ، إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعله في في امرأتك» ، فقال : يا رسول الله : أخلف بعد أصحابي ؟ فقال : «إنك لن تخلف ، فتعمل عملا صالحا إلا تزداد خيرا ورفعة ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون ، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» ، لكن البائس سعد بن أبي وقاص سعد بن خولة يرثي له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة وخلف على رجلا وقال : إن مات سعد بن أبي وقاص بمكة فلا تدفنه بها يكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها . أتى
ثم سار- صلى الله عليه وسلم- راجعا إلى المدينة فلما أتى فلما كان بالروحاء لقي ركبا فسلم عليهم فقال : «من القوم ؟ » فقالوا المسلمون فمن القوم ؟ فقال : «رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» فرفعت امرأة صبيا لها من محفة فقالت : يا رسول الله : ألهذا حج ؟ قال : نعم . ولك أجر ؟ . ذا الحليفة بات بها حتى أصبح ، وصلى في بطن الوادي .