الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد دل هذا الحديث على أن الرجل البريء من الشرك لو أنكرهم ، وترك نذورهم ، ومحا رسومهم ، ونصر الدين ، وخذل المشركين ، ثم وصل إليه نقص في المال ، أو الأولاد ، أو الأنفس ، أو كلفه شيطان ، أو جن ، أو خبيث باسم شيخ ، أو شهيد ، أو صالح ، أو ولي ، وآذاه ، فعليه بالصبر الجميل ، والقيام على حاله . [ ص: 397 ]

وينبغي أن يعلم أن الله مبتليه بهذا، يمتحنه في ذلك.

وأنه سبحانه كما يأخذ الظلمة على التدريج ، ويمهلهم إلى حين قريبا ، أو مديد ، ويخلص المظلومين من أيديهم ، فهكذا أمهل ظلمة الجنيات ، والشياطين ، والخبث والخبائث ، والأبالسة إلى حين ، ثم يأخذهم ، وينجي المؤمنين الصلحاء من أذياتهم ، وإيصال تكاليفهم ، لا شك في ذلك.

ومن شك فيه ، فلا حاجة لله فيما هنالك ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إن الله غني عن العالمين .

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه - ، قال: قال رجل : يا رسول الله ! أي الذنب أكبر عند الله ؟ .

قال : «أن تدعو مع الله ندا وهو خلقك »
أخرجه البخاري ، ومسلم كما في باب : الكبائر في «المشكاة » .

والمعنى : أنهم كما يرون أن الله تعالى هو الحاضر الناظر كل وقت ، والأمر كله بيده ، ويدعونه عند كل مشكل ، فكذلك لا ينبغي أن يدعوا غيره على هذه الطريقة ، والاعتقاد ؛ فإن ذلك إثم عظيم ، بل هذا الأمر غلط من رأسه ؛ لأن أحدا لا يقدر على قضاء حاجة ، ولا يحضر ، ولا ينظر في كل موضع .

ثم لما ثبت أن خالقنا هو الله وحده لا شريك له ، وهو الذي خلقنا ، وفطرنا ، وجب علينا أن ندعوه في حاجتنا ، ولا ندعو ، ولا نعبد إلا إياه ، وما لنا ولغيره ؟

ألا ترى أن من كان مملوكا للسلطان الواحد ، فإنه لا يتعلق في أموره إلا به ، ولا يرفع رأسه إلى غيره -ملكا كان ، أو مالكا - فضلا عن أن يلتفت إلى أحد من الكناسين ، والدباغين ؟

و «الند » : هو المساوي لغيره في الذات والصفات ، المخالف له في الأفعال والأحكام .

و «الضد » : هو المخالف لغيره في جميع الأمور ، والله -سبحانه وتعالى - لا ند له ، ولا ضد . [ ص: 398 ]

فمن اتخذ ندا له ، ودعاه ، فقد أشرك به تعالى ، وهذا أعظم الذنوب ، وأكبرها عند الله ، ولهذا لا يغفر هذا الذنب .

وفي رواية أخرى عنه -رضي الله عنه - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وهو يدعو لله ندا ، دخل النار » رواه البخاري .

قال ابن القيم -رحمه الله - : الند : الشبيه ، يقال : فلان ند فلان ، ونديده ؛ أي : مثله ، وشبيهه . قال تعالى : فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [البقرة : 22] .

والمعنى : من مات وهو يجعل لله ندا في العبادة ، يدعوه ، ويسأله ، ويستغيث به ، دخل النار .

وفيه من الوعيد ما لا يقادر قدره .

واتخاذ الند على قسمين :

الأول : أن يجعل لله شريكا في أنواع العبادة ، وهو شرك أكبر .

والثاني : ما كان من نوع الشرك الأصغر ؛ كقول الرجل : ما شاء الله ، وشئت ، ولولا الله وأنت ، وكيسير الرياء .

فقد ثبت : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل : ما شاء الله ، وشئت ، فقال : «أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده » رواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، والبخاري في «الأدب المفرد » ، والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية