الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (44) قوله : ذلك من أنباء الغيب نوحيه : يجوز فيه أوجه ، أحدها : أن يكون "ذلك " خبر مبتدأ محذوف تقديره : الأمر ذلك . و " من أنباء الغيب " على هذا يجوز أن يكون من تتمة هذا الكلام حالا من اسم الإشارة ، ويجوز أن يكون الوقف على "ذلك " ، ويكون " من أنباء الغيب " متعلقا بما بعده وتكون الجملة من "نوحيه " إذ ذاك : إما مبينة وشارحة للجملة قبلها وإما حالا .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن يكون "ذلك " مبتدأ ، و " من أنباء الغيب " خبره والجملة من "نوحيه " مستأنفة ، والضمير في "نوحيه " عائد على الغيب ، أي : الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب ونعلمك به ونظهرك على قصص من تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والأخبار ، ولذلك أتى بالمضارع في "نوحيه " ، وهذا أحسن من عوده على "ذلك " ؛ لأن عوده على الغيب يشمل ما تقدم من القصص وما لم يتقدم منها ، ولو أعدته على "ذلك " اختص بما مضى وتقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن يكون "نوحيه " هو الخبر ، و " من أنباء الغيب " على وجهيه المتقدمين من كونه حالا من "ذلك " أو متعلقا بنوحيه ، ويجوز فيه وجه ثالث على هذا وهو أن يجعل حالا من مفعول "نوحيه " أي : نوحيه حال كونه بعض أنباء الغيب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 171 ] قوله : إذ يلقون فيه وجهان أحدهما : وهو الظاهر أنه منصوب بالاستقرار العامل في الظرف الواقع خبرا . والثاني - وإليه ذهب الفارسي - أنه منصوب بكنت ، وهو عجيب منه لأنه يزعم أنها مسلوبة الدلالة على الحدث فكيف تعمل في الظرف والظرف وعاء للأحداث ؟ والذي يظهر أن الفارسي إنما جوز ذلك بناء منه على ما يجوز أن يكون مرادا في الآية ، وهو أن تكون "كان " تامة بمعنى : وما وجد في ذلك الوقت .

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في "لديهم " عائد على المتنازعين في مريم وإن لم يجر لهم ذكر ، لأن السياق قد دل عليهم ، وهذا الكلام ونحوه كقوله تعالى : وما كنت بجانب الطور وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وإن كان معلوما انتفاؤه بالضرورة جار مجرى التهكم بمنكري الوحي ، يعني أنه إذا علم أنك لم تعاصر أولئك ولم تدارس أحدا في العلم فلم يبق اطلاعك عليه إلا من جهة الوحي .

                                                                                                                                                                                                                                      والأقلام جمع "قلم " وهو فعل بمعنى مفعول أي : مقلوم ، والقلم القطع ، ومثله القبض والنقص بمعنى المقبوض والمنقوص ، وقيل له : قلم ؛ لأنه يقلم ، ومنه "قلمت ظفري " أي : قطعته وسويته ، قال زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      1279 - لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : سمي القلم قلما تشبيها له بالقلامة وهي نبت ضعيف ؛ وذلك أنه يرقق فيضعف . وفي المراد بالأقلام هنا خلاف : هل هي التي يكتب بها أو قداح يستهم بها كالأزلام ؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 172 ] قوله : أيهم يكفل مريم هذه الجملة منصوبة المحل ؛ لأنها متعلقة بفعل محذوف ، ذلك الفعل في محل نصب على الحال تقديره : يلقون أقلامهم ينظرون : أيهم يكفل مريم أو يعلمون ، وجوز الزمخشري أن يقدر "يقولون " ، فيكون محكيا به ، ودل على ذلك قوله : يلقون . وقوله : وما كنت لديهم إذ يختصمون كقوله : وما كنت لديهم إذ يلقون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية