الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (10) قوله تعالى : ظلما : فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول [ ص: 594 ] من أجله ، وشروط النصب موجودة . والثاني : أنه مصدر في محل نصب على الحال أي : يأكلونه ظالمين ، والجملة من قوله : إنما يأكلون في محل رفع خبرا لـ "إن " ، وفي ذلك دلالة على وقوع خبر "إن " جملة مصدرة بـ "إن " وفي ذلك خلاف . قال الشيخ : "وحسنه هنا وقوع اسم " إن "موصولا فطال الكلام بصلة الموصول ، فلما تباعد لم يبال بذلك ، وهذا أحسن من قولك : " إن زيدا إن أباه منطلق " . ولقائل أن يقول : " ليس فيها دلالة على ذلك ؛ لأنها مكفوفة بـ "ما " ، ومعناها الحصر فصارت مثل قولك في المعنى : "إن زيدا ما انطلق إلا أبوه " وهو محل نظر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : في بطونهم فيه وجهان أحدهما : أنه متعلق بـ "يأكلون " أي : بطونهم أوعية للنار : إما حقيقة بأن يخلق الله لهم نارا يأكلونها في بطونهم ، أو مجازا بأن أطلق المسبب وأراد السبب . الثاني : أنه متعلق بمحذوف ؛ لأنه حال من "نارا " ، وكان في الأصل صفة للنكرة فلما قدمت انتصبت حالا .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أبو البقاء هذا الوجه عن أبي علي في "تذكرته " ، وحكى عنه أنه منع أن يكون ظرفا لـ "يأكلون " ، فإنه قال : في بطونهم نارا قد تقدم في البقرة منه شيء ، ويخص هذا الموضع أن "في بطونهم " حال من "نارا " أي : نارا كائنة في بطونهم ، وليس بظرف لـ "يأكلون " ، ذكره في "التذكرة " . وفي قوله : "والذي يخص هذا الموضع " فيه نظر ، فإنه كما يجوز أن يكون "في بطونهم " حالا من "نار " هنا يجوز أن يكون حالا من "النار " في البقرة ، وفي إبداء الفرق عسر ، ولم يظهر في منع أبي علي كون "في بطونهم " ظرفا للأكل وجه ظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 595 ] قوله : وسيصلون قرأ الجمهور بفتح الياء واللام ، وابن عامر وأبو بكر بضم الياء مبنيا للمفعول من الثلاثي . ويحتمل أن يكون من أصلى ، فلما بني للمفعول قام الأول مقام الفاعل . وابن أبي عبلة بضمهما مبنيا للفاعل من الرباعي ، والأصل على هذه القراءة : سيصليون من أصلى مثل يكرمون من أكرم ، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان ، فحذف أولهما وهو الياء وضم ما قبل الواو لتصح .

                                                                                                                                                                                                                                      و "أصلى " : يحتمل أن تكون الهمزة فيه للدخول في الشيء ، فيتعدى لواحد وهو "سعيرا " وأن تكون للتعدية ، فالمفعول محذوف ، أي : يصلون أنفسهم سعيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد ، واللام مشددة ، مبنيا للمفعول من "صلى " مضعفا . قال أبو البقاء : "والتضعيف للتكثير " .

                                                                                                                                                                                                                                      والصلي : الإيقاد بالنار ، يقال : صلي بكذا - بكسر العين - ، وقوله : لا يصلاها أي يصلى بها . وقال الخليل : "صلي الكافر النار " قاسى حرها . وصلاه النار وأصلاه غيره ، هكذا قال الراغب ، وظاهر هذه العبارة أن فعل وأفعل بمعنى ، يتعديان إلى اثنين ثانيهما بحرف الجر ، وقد يحذف . وقال غيره : "صلي بالنار أي : تسخن بقربها " ، فـ "سعيرا " على هذا منصوب على إسقاط الخافض . ويدل على أن أصل "يصلاها " يصلى بها قول الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 596 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1553 - إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم فقد خاب من يصلى بها وسعيرها



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : يقال صليته النار : أدنيته منها ، فيجوز أن يكون منصوبا من غير إسقاط خافض . والسعير في الأصل : الجمر المشتعل ، سعرت النار : أوقدتها ، ومنه : "مسعر حرب " على التشبيه . والمسعر : الآلة التي تحرك بها النار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية