الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (34) وقوله تعالى : على النساء : متعلق بـ " قوامون " وكذا "بما " ، والباء سببية ، ويجوز أن تكون للحال ، فتتعلق بمحذوف ؛ لأنها حال من الضمير في "قوامون " تقديره : مستحقين بتفضيل الله إياهم . و "ما " مصدرية وقيل : بمعنى الذي . وهو ضعيف لحذف العائد من غير مسوغ . والبعض الأول المراد به الرجال والبعض الثاني النساء ، وعدل عن الضميرين فلم يقل : بما فضلهم الله عليهن للإبهام الذي في "بعض " . " وبما أنفقوا " متعلق بما تعلق به الأول . و "ما " يجوز هنا أن تكون بمعنى الذي من غير ضعف ؛ لأن للحذف مسوغا أي : وبما أنفقوه من أموالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      و من أموالهم متعلق بـ "أنفقوا " ؛ أو بمحذوف على أنه حال من الضمير المحذوف . قوله : فالصالحات قانتات حافظات "الصالحات " : مبتدأ وما بعده خبران له . و "للغيب " متعلق بـ "حافظات " . وأل في "الغيب " عوض من الضمير عند الكوفيين كقوله : واشتعل الرأس شيبا أي : رأسي وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1577 - لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب



                                                                                                                                                                                                                                      أي : لثاتها :

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على رفع الجلالة من "حفظ الله " . وفي "ما " على هذه [ ص: 671 ] القراءة ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها مصدرية والمعنى : بحفظ الله إياهن أي : بتوفيقه لهن أو بالوصية منه تعالى عليهن . والثاني : أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف أي : بالذي حفظه الله لهن من مهور أزواجهن والنفقة عليهن قاله الزجاج . والثالث : أن تكون "ما " نكرة موصوفة ، والعائد محذوف أيضا كما تقرر في الموصولة بمعنى الذي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو جعفر بنصب الجلالة ، وفي "ما " ثلاثة أوجه أيضا ، أحدها : أنها بمعنى الذي ، والثاني : نكرة موصوفة ، وفي "حفظ " ضمير يعود على "ما " أي : بما حفظ من البر والطاعة . ولا بد من حذف مضاف تقديره : بما حفظ دين الله أو أمر الله ، لأن الذات المقدسة لا يحفظها أحد . والثالث : أن تكون "ما " مصدرية ، والمعنى بما حفظن الله في امتثال أمره ، وساغ عود الضمير مفردا على جمع الإناث لأنهن في معنى الجنس ، كأنه قيل : ممن صلح ، فعاد الضمير مفردا بهذا الاعتبار ، ورد الناس هذا الوجه بعدم مطابقة الضمير لما يعود عليه وهذا جوابه . وجعله ابن جني مثل قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      1578 - ... ... ... ...     فإن الحوادث أودى بها



                                                                                                                                                                                                                                      أي : أودين ، وينبغي أن يقال : الأصل بما حفظت الله ، والحوادث أودت ؛ لأنها يجوز أن يعود الضمير على جمع الإناث كعوده على الواحدة منهن ، تقول : "النساء قامت " ، إلا أنه شذ حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 672 ] وقرأ عبد الله - وهي في مصحفه كذلك - "فالصوالح قوانت حوافظ " بالتكسير . قال ابن جني : "وهي أشبه بالمعنى لإعطائها الكثرة ، وهي المقصودة هنا " ، يعني أن فواعل من جموع الكثرة ، وجمع التصحيح جمع قلة ما لم يقترن بالألف واللام . وظاهر عبارة أبي البقاء أنه للقلة وإن اقترن بـ "أل " فإنه قال : "وجمع التصحيح لا يدل على الكثرة بوضعه ، وقد استعمل فيها كقوله تعالى : وهم في الغرفات آمنون . وفيما قاله أبو الفتح وأبو البقاء نظر ، فإن " الصالحات "في القراءة المشهورة معرفة بأل ، وقد تقدم أنه تكون للعموم ، إلا أن العموم المفيد للكثرة ليس من صيغة الجمع ، بل من " أل " ، وإذا ثبت أن الصالحات جمع كثرة لزم أن يكون " قانتات "و " حافظات "للكثرة لأنه خبر عن الجميع ، فيفيد الكثرة ، ألا ترى أنك إذا قلت : " الرجال قائمون "لزم أن يكون كل واحد من الرجال قائما ، ولا يجوز أن يكون بعضهم قاعدا ، فإذا القراءة الشهيرة وافية بالمعنى المقصود .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : في المضاجع فيه وجهان ، أحدهما : أن " في "على بابها من الظرفية متعلقة بـ " اهجروهن "أي : اتركوا مضاجعتهن أي : النوم معهن دون كلامهن ومؤاكلتهن . والثاني : أنها للسبب قال أبو البقاء : " واهجروهن بسبب المضاجع كما تقول : "في هذه الجناية عقوبة " وجعل مكي هذا الوجه متعينا ، ومنع الأول ، قال : "ليس " في المضاجع "ظرفا للهجران ، وإنما [ ص: 673 ] هو سبب لهجران التخلف ، ومعناه : فاهجروهن من أجل تخلفهن عن المضاجعة معكم " . وفيه نظر لا يخفى وكلام الواحدي يفهم أنه يجوز تعلقه بـ "نشوزهن " فإنه قال - بعدما حكى عن ابن عباس كلاما - : "والمعنى على هذا : واللاتي تخافون نشوزهن في المضاجع " ، والكلام الذي حكاه عن ابن عباس هو قوله : "هذا كله في المضجع إذا هي عصت أن تضطجع معه " ولكن لا يجوز ذلك ؛ لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي . وقدر بعضهم معطوفا بعد قوله : " واللاتي تخافون " أي : واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن ، كأنه يريد أنه لا يجوز الإقدام على الوعظ وما بعده بمجرد الخوف . وقيل : لا حاجة إلى ذلك ؛ لأن الخوف بمعنى اليقين ، وقيل : غلبة الظن في ذلك كافية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فلا تبغوا عليهن سبيلا في نصب "سبيلا " وجهان ، أحدهما : أنه مفعول به ، والثاني : أنه على إسقاط الخافض ، وهذان الوجهان مبنيان على تفسير البغي هنا ما هو ؟ فقيل : هو الظلم من قوله : فبغى عليهم ، فعلى هذا يكون لازما ، و "سبيلا " منصوب بإسقاط الخافض أي : بسبيل . وقيل : هو الطلب من قولهم : بغيته أي طلبته . وفي "عليهن " وجهان ، أحدهما : أنه متعلق بـ "تبغوا " . والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من "سبيلا " لأنه في الأصل صفة النكرة قدم عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية