الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (102) قوله تعالى : حق تقاته : فيه وجهان : أن "تقاة " مصدر ، وهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ؛ إذ الأصل : اتقوا الله التقاة الحق أي : الثابت كقولك : "ضربت زيدا أشد الضرب تريد : الضرب الشديد ، وقد تقدم تحقيق كون " تقاة "مصدرا في أول السورة ، وزاد ابن عطية هنا أن " تقاة "يجوز أن يكون جمعا ، وهو في ذلك كالمخالف [ ص: 331 ] للإجماع فقال : " ويصح أن يكون "التقاة " في هذه الآية جمع فاعل ، وإن كان لم يتصرف منه فيكون كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي ، إذ فعيل وفاعل بمنزلة ، ويكون المعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى " . قال الشيخ : " وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ ، إذ الظاهر من قوله حق تقاته من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، كما تقول : "ضربت زيدا شديد الضرب " أي الضرب الشديد ، وكذلك هذا أي : اتقوا الله الاتقاء الحق أي : الواجب الثابت ، أما إذا جعلت التقاة جمعا فإن المعنى يصير مثل : اضرب زيدا حق ضرابه ، فلا يدل هذا التركيب على معنى : اضرب زيدا كما يحق أن يكون ضرابه ، بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بتقديرها المعنى ، والتقدير : اضرب زيدا ضربا حقا كما يحق أن يكون ضرب ضرابه ، ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليها اللفظ " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون هو نهي في الصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة ، والمراد دوامهم على الإسلام ، وذلك أن الموت لا بد منه ، فكأنه قيل : دوموا على الإسلام إلى الموت ، وقريب منه ما حكى سيبويه : " لا أرينك ها هنا "أي لا تكن بالحضرة فتقع عليك رؤيتي . والجملة من قوله : وأنتم مسلمون في محل نصب على الحال والاستثناء مفرغ من الأحوال العامة أي : لا تموتن على حالة من سائر الأحوال إلا على هذه الحال الحسنة ، وجاء بها جملة اسمية لأنها أبلغ وآكد ، إذ فيها ضمير متكرر ، ولو قيل : " إلا مسلمين "لم يفد هذا التأكيد ، وتقدم إيضاح هذا التركيب في البقرة عند قوله [ ص: 332 ] تعالى : إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية