الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (135) قوله تعالى : والذين إذا فعلوا : يجوز أن يكون معطوفا على الموصول قبله ، ففيه ما فيه من الأوجه السابقة ، وتكون الجملة من قوله : والله يحب المحسنين جملة اعتراض بين المتعاطفين ، ويجوز أن يكون "والذين " مرفوعا بالابتداء ، و "أولئك " مبتدأ ثان ، و "جزاؤهم " مبتدأ ثالث ، و "مغفرة " خبر الثالث ، والثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول . وقوله : إذا فعلوا شرط جوابه "ذكروا " وقوله : فاستغفروا عطف على الجواب ، والجملة الشرطية وجوابها صلة الموصول ، والمفعول الأول لاستغفر محذوف ، أي : استغفروا الله لذنوبهم . وقد تقدم الكلام على "استغفر " ، وأنه يتعدى لاثنين ثانيهما بحرف الجر ، وليس هو هذه اللام بل "من " ، وقد تحذف ، وقوله : ومن يغفر استفهام معناه النفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 397 ] وقوله : إلا الله بدل من الضمير المستكن في "يغفر " التقدير : لا يغفر أحد الذنوب إلا الله ، والمختار هنا الرفع على البدل لكون الكلام غير إيجاب ، وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه . وقال أبو البقاء : "ومن " مبتدأ ، و "يغفر " خبره ، و إلا الله فاعل أو بدل من المضمر وهو الوجه ، لأنك إذا جعلت الله تعالى فاعلا احتجت إلى تقدير ضمير أي : ومن يغفر الذنوب له غير الله "وهذا الذي قاله - أعني جعله الجلالة فاعلا - يقرب من الغلط فإن الاستفهام هنا لا يراد به حقيقته ، إنما يراد النفي ، والوجه ما تقدم من كون الجلالة بدلا من ذلك الضمير المستتر العائد على " من "الاستفهامية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ولم يصروا يجوز أن تكون جملة حالية من فاعل " استغفروا "أي : استغفروا غير مصرين ، ويجوز أن تكون هذه الجملة منسوقة على " فاستغفروا "أي : ترتب على فعلهم الفاحشة ذكر الله تعالى والاستغفار لذنوبهم وعدم إصرارهم عليها ، وتكون الجملة من قوله : ومن يغفر الذنوب إلا الله على هذين الوجهين معترضة بين المتعاطفين على الوجه الثاني ، وبين الحال وذي الحال على الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وهم يعلمون يجوز أن تكون حالا ثانية من فاعل " استغفروا "وأن تكون حالا من فاعل " يصروا " ، ومفعول " يعلمون "محذوف للعلم به ، فقيل : تقديره : يعلمون أن الله يتوب على من تاب ، قاله مجاهد . وقيل : يعلمون أن تركه أولى ، قاله ابن عباس والحسن . وقيل : يعلمون المؤاخذة بها أو عفو الله عنها . و " ما "في قوله : على ما فعلوا يجوز أن تكون اسمية بمعنى الذي ، ويجوز أن تكون مصدرية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 398 ] والإصرار : المداومة على الشيء وترك الإقلاع عنه وتأكيد العزم على ألا يتركه ، من صر الدنانير : إذا ربط عليها ، ومنه " صرة الدراهم "لما يربط بها . وقال الحطيئة يصف خيلا :


                                                                                                                                                                                                                                      1431 - عوابس بالشعث الكماة إذا ابتغوا علالتها بالمحصدات أصرت



                                                                                                                                                                                                                                      أي : ثبتت وأقامت مداومة على ما حملت عليه . وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      1432 - يصر بالليل ما تخفي شواكله     يا ويح كل مصر القلب ختار



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية