الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (166) قوله تعالى : وما أصابكم : "ما " موصولة بمعنى الذي في محل رفع بالابتداء . و فبإذن الله الخبر ، وهو على إضمار تقديره : فهو بإذن الله ، ودخلت الفاء في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط نحو : "الذي [ ص: 475 ] يأتيني فله درهم " وهذا على ما قرره الجمهور مشكل ، وذلك أنهم قرروا أنه لا يجوز دخول هذه الفاء زائدة في الخبر إلا بشروط ، منها أن تكون الصلة مستقبلة في المعنى ، وذلك لأن الفاء إنما دخلت للشبه بالشرط ، والشرط إنما يكون في الاستقبال لا في الماضي ، لو قلت : "الذي أتاني أمس فله درهم " لم يصح ، و "أصابكم " هنا ماض في المعنى لأن القصة ماضية فكيف جاز دخول هذه الفاء ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأجابوا عنه بأنه يحمل على التبيين أي : "وما تبين إصابته إياكم " كما تأولوا : وإن كان قميصه قد من دبر أي : إن تبين ، وهذا شرط صريح . قلت : وإذا صح هذا التأويل فلتجعل "ما " هنا شرطا صريحا ، وتكون الفاء داخلة وجوبا لكونها واقعة جوابا للشرط . وقال ابن عطية : "يحسن دخول الفاء إذا كان سبب الإعطاء ، وكذلك ترتيب هذه ، فالمعنى إنما هو : وما أذن الله فيه فهو الذي أصابكم ، لكن قدم الأهم في نفوسهم والأقرب إلى حسهم . والإذن : التمكين من الشيء مع العلم به " وهذا حسن من حيث المعنى ، فإن الإصابة مترتبة على الإذن من حيث المعنى . وأشار بقوله "الأهم والأقرب " إلى ما أصابهم يوم التقى الجمعان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : "وليعلم " في هذه اللام قولان : أحدهما : أنها معطوفة على معنى قوله : فبإذن الله عطف سبب على سبب ، فتتعلق بما تتعلق به الباء . والثاني : أنها متعلقة بمحذوف أي : وليعلم فعل ذلك ، أي : أصابكم والأول [ ص: 476 ] أولى ، وقد تقدم أن معنى "وليعلم الله كذا " أي تمييزا ويظهر للناس ما كان في علمه . وزعم بعضهم أن ثم مضافا أي : ليعلم إيمان المؤمنين ونفاق الذين ، ولا حاجة إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية