الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (182) قوله تعالى : ذلك بما قدمت : مبتدأ وخبر تقديره : ذلك مستحق بما قدمت ، كذا قدره أبو البقاء ، وفيه نظر تقدم مثله . و "ما " [ ص: 515 ] يجوز فيها أن تكون موصولة وموصوفة . و "ذلك " إشارة إلى ما تقدم من عقابهم . وهذه الجملة تحتمل وجهين ، أحدهما : أن تكون في محل نصب بالقول عطفا على "ذوقوا " كأنه قيل : ونقول لهم أيضا : ذلك بما قدمت أيديكم ، وبخوا بذلك ، وذكر لهم السبب الذي أوجب لهم العقاب . والثاني : ألا تكون داخلة في حكاية القول ، بل تكون خطابا لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نزول الآية ، وذكرت الأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وأن الله عطف على "ما " المجرورة بالباء أي : ذلك العقاب حاصل بسبب كسبكم وعدم ظلمه لكم . وهنا سؤال : وهو أن "ظلاما " صيغة مبالغة تقتضي التكثير ، فهي أخص من "ظالم " ، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم ، فإذا قلت : "زيد ليس بظلام " أي : ليس يكثر الظلم ، مع جواز أن يكون ظالما ، وإذا قلت : "ليس بظالم " انتفى الظلم من أصله ، فكيف قال تعالى : ليس بظلام للعبيد ؟ وفي ذلك خمسة أوجه ، ذكر أبو البقاء منها أربعة .

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن "فعالا " قد لا يراد به التكثير كقول طرفة :


                                                                                                                                                                                                                                      1502 - ولست بحلال التلاع لبيته ولكن متى يسترفد القوم أرفد



                                                                                                                                                                                                                                      لا يريد هنا أنه يحل التلاع قليلا ؛ لأن ذلك يدفعه آخر البيت الذي يدل على نفي البخل على كل حال ، وأيضا تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة . الثاني : أنه للكثرة ، ولكنه لما كان مقابلا بالعباد وهم كثيرون ناسب أن يقابل الكثير بالكثير . والثالث : أنه إذا نفى الظلم الكثير انتفى القليل [ ص: 516 ] ضرورة ؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك . الرابع : أن يكون على النسب أي : لا ينسب إليه ظلم ، فيكون من باب : بزار وعطار ، كأنه قيل : ليس بذي ظلم البتة . والخامس : قال القاضي أبو بكر : "العذاب الذي توعد أن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما فنفاه على حد عظمته لو كان ثابتا " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الراغب - بعد تفرقته بين جمعي "عبد " على عبيد وعباد - : فالعبيد إذا أضيف إلى الله تعالى أعم من العباد ، ولهذا قال : وما أنا بظلام للعبيد فنبه على أنه لا يظلم من تخصص بعبادته ومن انتسب إلى غيره من الذين تسموا بعبد الشمس وعبد اللات " ، وكان الراغب قد قدم الفرق بين " عبيد "و " عباد "فقال : " وجمع العبد الذي هو مسترق " : " عبيد " ، وقيل : " عبدى " ، وجمع العبد الذي هو العابد " عباد " . وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة وجموعها وما قيل فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية