الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (191) قوله تعالى : الذين يذكرون : فيه خمسة أوجه ، أولها : أنه نعت لـ "أولي " ، فهو مجرور . وثانيها : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين . وثالثها : أنه منصوب بإضمار "أعني " ، وهذان الوجهان يسميان بالقطع ، وقد تقدم ذلك مرارا . الرابع : أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره : يقولون : ربنا . قاله أبو البقاء . وخامسها : أنه بدل من "أولي " ذكره مكي . وأول الوجوه هو الأحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      و قياما وقعودا حالان من فاعل "يذكرون " . و وعلى جنوبهم حال أيضا فيتعلق بمحذوف ، والمعنى : يذكرونه قياما وقعودا ومضطجعين ، فعطف الحال المؤولة على الصريحة ، عكس الآية الأخرى وهي قوله : دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ، حيث عطف الصريحة على المؤولة . و "قياما " و "قعودا " جمعان لـ "قائم " و "قاعد " . وأجيز أن يكونا مصدرين ، وحينئذ يتأولان على معنى ذوي قيام وقعود ، ولا حاجة إلى هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ويتفكرون فيه وجهان ، أظهرها : أنها عطف على الصلة فلا محل لها . والثاني : أنها في محل نصب على الحال عطفا على "قياما " أي : يذكرونه متفكرين . فإن قيل : هذا مضارع مثبت فكيف دخلت عليه الواو ؟ فالجواب أن هذه واو العطف ، والممنوع إنما هو واو الحال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 532 ] و "خلق " فيه وجهان ، أحدهما : أنه مصدر على أصله أي : يتفكرون في صنعة هذه المخلوقات العجيبة ، ويكون مصدرا مضافا لمفعوله . والثاني : أنه بمعنى المفعول أي : في مخلوق السماوات والأرض ، وتكون إضافته في المعنى إلى الظرف أي : يتفكرون فيما أودع الله هذين الظرفين من الكواكب وغيرها . وقال أبو البقاء : "وأن يكون بمعنى المخلوق ؛ ويكون من إضافة الشيء إلى ما هو في المعنى " وهذا كلام متهافت إذ لا يضاف الشيء إلى نفسه ، وما أوهم ذلك يؤول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : "ربنا " هذه الجملة في محل نصب بقول محذوف تقديره : يقولون . والجملة القولية فيها وجهان ، أظهرهما : أنها حال من فاعل "يتفكرون " أي : يتفكرون قائلين : ربنا ، وإذا أعربنا "يتفكرون " حالا كما تقدم فتكون الحالان متداخلتين . والوجه الثاني : أنها في محل رفع خبرا لـ "الذين " على قولنا بأنه مبتدأ ، كما تقدم نقله عن أبي البقاء .

                                                                                                                                                                                                                                      و "هذا " في قوله : ما خلقت هذا إشارة إلى الخلق إن أريد به المخلوق . وأجاز أبو البقاء حال الإشارة إليه بـ "هذا " أن يكون مصدرا على حاله لا بمعنى المخلوق . وفيه نظر ، أو إلى السماوات والأرض ، وإن كانا شيئين كل منهما جمع ، لأنهما بتأويل : هذا المخلوق العجيب ، أو لأنهما في معنى الجمع فأشير إليهما كما يشار إلى لفظ الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : باطلا في نصبه خمسة أوجه ، أحدها : نعت لمصدر محذوف أي : خلقا باطلا ، وقد تقدم أن سيبويه يجعل مثل هذا حالا من ضمير ذلك المصدر . الثاني : أنه حال من المفعول به وهو "هذا " . الثالث : أنه على [ ص: 533 ] إسقاط حرف خافض وهو الباء ، والمعنى : ما خلقتهما بباطل بل بحق وقدرة . الرابع : أنه مفعول من أجله ، و "فاعل " قد يجيء مصدرا كالعاقبة والعافية . الخامس : أنه مفعول ثان بـ "خلق " قالوا : و "خلق " إذا كانت بمعنى جعل التي تتعدى لاثنين تعدت لاثنين ، وهذا غير معروف عند أهل العربية ، بل المعروف أن "جعل " إذا كانت بمعنى "خلق " تعدت لواحد فقط . وأحسن هذه الأعاريب أن يكون حالا من "هذا " ، وهي حال لا يستغنى عنها ، لأنها لو حذفت لاختل الكلام ، وهي كقوله : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين .

                                                                                                                                                                                                                                      و سبحانك تقدم إعرابه وهو معترض بين قوله : "ربنا " وبين قوله : "فقنا " ، وقال أبو البقاء : "دخلت الفاء لمعنى الجزاء ، والتقدير : إذا نزهناك أو وحدناك فقنا " . وهذا لا حاجة إليه ، بل التسبب فيها ظاهر ، تسبب عن قولهم : ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك طلبهم وقاية النار . وقيل : هي لترتيب السؤال على ما تضمنه "سبحان " من معنى الفعل أي : سبحانك فقنا ، وأبعد من ذهب إلى أنها للترتيب على ما تضمنه النداء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية