الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1030 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، في حديثه عن عروة ، قال : سعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالوا : هذا صاحبك ، يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته ! فقال أبو بكر رضي الله عنه : أو قال ذاك ؟ قالوا : نعم ، قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا أشهد - إن كان قال ذلك - لقد صدق ، قالوا : تصدقه أنه جاء الشام في ليلة واحدة ، ورجع قبل أن يصبح ؟ ! فقال أبو بكر رضي الله [ ص: 1539 ] عنه : نعم ، أنا أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء ، غدوة وعشية ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، الصديق .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

من بين جميع ما تقدم ذكري له ، علم أن الله عز وجل أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم بجسده وعقله ، لا إن الإسراء كان مناما ، وذلك أن الإنسان لو قال : وهو بالمشرق ، رأيت البارحة في النوم كأني بالمغرب ، لم يرد عليه قوله ، ولم يعارض ، وإذا قال : كنت ليلتي بالمغرب ؛ لكان قوله كذبا ، وكان قد تقول بعظيم ، إذا كان مثل ذلك البلد غير واصل إليه في ليلته ، لا خلاف في هذا .

فالنبي صلى الله عليه وسلم لو قال : لأبي جهل ولسائر قومه : " رأيت في المنام كأني ببيت المقدس ، على وجه المنام ، لقبلوا منه ذلك ، ولم يتعجبوا من قوله ، ولقالوا له : صدقت ، وذلك أن الإنسان قد يرى في النوم ، كأنه في أبعد مما أخبرتنا .

ولكنه لما قال لهم صلى الله عليه وسلم : "أسري بي الليلة إلى بيت المقدس" ، كان خلافا للمنام عند القوم ، وكان هذا في اليقظة بجسده وعقله ، فقالوا له : في ليلة واحدة ذهبت إلى الشام ، وأصبحت بين أظهرنا ؟ ! ثم قولهم : لأبي بكر رضي الله عنه : هذا صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته ، وقول أبي بكر رضي الله عنه : لهم وما رد عليهم ، كل هذا دليل لمن عقل وميز ، علم أن الله عز وجل ، خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه أسرى به بجسده وعقله ، [ ص: 1540 ] وشاهد جميع ما في السماوات ، ودخوله الجنة ، وجميع ما رأى من آيات ربه عز وجل ، وفرض عليه الصلاة ، كل ذلك لا يقال منام ، بل بجسده وعقله ، فضيلة خصه الله الكريم بها .

فمن زعم أنه منام ، فقد أخطأ في قوله ، وقصر في حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، ورد القرآن والسنة ، وتعرض لعظيم ، وبالله التوفيق .

[ ص: 1541 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية