الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - لنا : لو لم يجب الشرط لم يكن شرطا . وفي غيره لو استلزم الواجب وجوبه - لزم تعقل الموجب له ، ولم يكن تعلق الوجوب لنفسه ، ولامتنع التصريح بغيره ، ولعصى بتركه ، ولصح قول الكعبي في نفي المباح ، ولوجبت [ نيته ] .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ عن تحرير المذاهب ، أقام الدليل على أن ما لا يتم الواجب إلا به ، إن كان شرطا ، فهو واجب ، وإن كان غير شرط فليس بواجب .

            أما الأول فتقريره أن يقال : لو لم يكن الشرط واجبا ، لم يكن هو شرطا . والتالي باطل ; لأنه خلاف المفروض ، فيلزم بطلان المقدم .

            بيان الملازمة أن الشرط إذا لم يكن واجبا ، جاز تركه ، فإذا تركه فلا يخلو إما أن يكون الفعل حينئذ مأمورا به أو لا ، والثاني باطل ، وإلا يلزم أن يكون وجوب الشيء مقيدا بوقت وجود الشرط ، وهو خلاف المفروض .

            والأول لا يخلو إما أن يكون الفعل ممكن الحصول عند عدم الشرط أو لا .

            [ ص: 371 ] والثاني باطل وإلا يلزم تكليف ما لا يطاق فيتحقق الأول ، فلا يكون شرطا .

            وأما الثاني فمن ستة وجوه : الأول : أنه لو استلزم الواجب وجوب غير الشرط مما لا يتم إلا به ، لزم تعقل الموجب ، أي الأمر لغير الشرط ; لاستحالة إيجاب الشيء مع الذهول عنه .

            والتالي باطل فإن الموجب للشيء قد يغفل عن ما يتوقف عليه ، فيلزم بطلان المقدم .

            الثاني : أنه لو استلزم الواجب وجوب غير الشرط لم يكن تعلق الوجوب الذي هو طلب الوجود مع منع النقيض بغير الشرط لنفس الوجوب أو لنفس ذلك الغير ; لأن اللفظ يحتملهما; لتوقف تعلق الوجوب على تعلقه بملزومه . والتالي باطل ; لأن الطلب لا يعقل تعلقه بشيء غير المطلوب ، فيلزم بطلان المقدم .

            الثالث : أنه لو استلزم الواجب وجوب غير الشرط ، لامتنع التصريح بغير وجوبه ، أي امتنع التصريح بأن غير الشرط لا يكون واجبا ; لأنه يناقض الحكم بكون الواجب مستلزما لوجوبه . والتالي باطل للقطع بأنه يصح أن يقول الشارع : أوجبت عليكم غسل الوجه ، وما أوجبت عليكم غسل شيء من الرأس .

            الرابع : لو كان الواجب مستلزما لوجوب غير الشرط ، لعصى المكلف بتركه . والتالي باطل فالمقدم مثله . أما الملازمة فظاهرة .

            [ ص: 372 ] وأما انتفاء التالي ; فلأن تارك الصوم يكون عاصيا بترك الصوم ، لا بترك إمساك جزء من الليل .

            الخامس : أنه لو استلزم وجوبه ، لصح قول الكعبي في نفي الفعل المباح في الشرع . والتالي باطل لما سنذكره ، فالمقدم مثله .

            بيان الملازمة أن المباح يحصل به ترك الحرام ، وما يحصل به ترك الحرام يكون واجبا .

            السادس : أنه لو كان غير الشرط مما لا يتم الواجب إلا به ، واجبا لوجبت نيته ; لأنه عبادة شرعية . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .

            ولقائل أن يقول على الأول : لا نسلم لزوم تعقل الموجب له ، وإنما يلزم أن لو كان الوجوب بالأصالة ، أما إذا كان بالتبعية فلا . سلمناه لكنه منقوض بوجوب الشرط .

            وعلى الثاني : إن أراد بالتعلق لنفسه : [ التعلق ] بالأصالة ، فلا نسلم انتفاء التالي ; فإن تعلق الوجوب بالمقدمات ليست بالأصالة بل بالفرعية ; لتعلق الوجوب بملزومها أولا ، وبواسطة الملزوم يتعلق بها .

            [ ص: 373 ] وإن أراد به تعلق الوجوب الفرعي بالمقدمات ليس من مقتضاه ، فمنعه ظاهر ; فإن الوجوب الأول يتعلق بالشيء ، ثم نشأ منه الوجوب الثاني ، فتعلق الوجوب الثاني الفرعي بالمقدمات لذاته . وأيضا فمنقوض بوجوب الشرط .

            وعلى الثالث أن غسل جزء من الرأس ليس بواجب على كل أحد ; إذ الوجوب عندهم إنما يتحقق بالنسبة إلى العاجز عن الإتيان بغسل الوجه ، دون غسل جزء من الرأس لا القادر . وعند ذلك فالملازمة ممنوعة في صورة القادر ، ونفي التالي في صورة العاجز .

            وبه خرج الجواب على الرابع . ويقال على الرابع أيضا : لا نسلم نفي اللازم ; فإن تركه يوجب ترك الواجب بالذات ; لأن الواجب بالذات لا يتم بدونه فيكون تركه سببا للعصيان . على أنه منقوض بوجوب الشرط .

            وعن الخامس أنه يلزم نفي المباح إن لم يحصل ترك الحرام إلا بفعل المباح . أما إذا حصل بغيره فلا ; لأنه حينئذ لا يكون المباح مقدمة للواجب .

            وعن السادس : لا نسلم الملازمة . وإنما يلزم أن لو كان غير الشرط مقصودا بالذات . أما إذا كان مقصودا بالعرض فلا .




            الخدمات العلمية