الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - فإن كان معه قول ولا دليل على تكرر ولا تأس به ، والقول خاص به وتأخر - فلا تعارض .

            فإن تقدم - الفعل ناسخ قبل التمكن عندنا . فإن كان خاصا بنا - فلا تعارض ، تقدم أو تأخر .

            وإن كان عاما لنا وله - فتقدم الفعل أو القول له وللأمة ، كما تقدم ، إلا أن يكون العام ظاهرا فيه ، فالفعل تخصيص كما سيأتي .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من بيان تعارض أفعاله - عليه السلام - بعضها مع بعض ، شرع في بيان تعارض فعله مع قوله - عليه السلام - .

            [ ص: 509 ] فإن كان مع فعل الرسول قول - فلا يخلو إما أن لا يدل دليل على وجوب تكرار الفعل في حقه ، وعلى وجوب تأسي الأمة به ، أو يدل دليل على وجوب كل منهما أو يدل دليل على وجوب أحدهما فقط .

            وحينئذ لا يخلو إما أن يدل على وجوب التكرار أو على وجوب التأسي به . فهذه أربعة أقسام ، ذكر المصنف أحكام كل منها على التفصيل .

            فبدأ بالأول من الأربعة ، وهو الذي لا يدل على وجوب تكرر الفعل ولا على وجوب التأسي به .

            فحينئذ لا يخلو إما أن يكون القول خاصا به ، أو خاصا بنا ، أو عاما لنا وله .

            فإن كان القول خاصا به فلا يخلو إما أن يتأخر القول عن الفعل أو يتقدم القول ، أو يجهل التاريخ .

            فإن كان القول خاصا به وتأخر عن الفعل ، كأن فعل فعلا ثم قال بعد ذلك الفعل ، إما على الفور أو على التراخي : لا يجوز [ لي ] مثل هذا الفعل في مثل ذلك الوقت ، فلا تعارض بين القول والفعل أصلا ، لا في حقه ولا في حق أمته ; أما في حقه فلأن القول لم يتناول الزمان الذي وقع فيه الفعل ، والفعل أيضا لم يتناول الزمان الذي تعلق به القول ، فلا يكون أحدهما رافعا لحكم الآخر . وأما بالنسبة إلى الأمة فظاهر ; لأنه ليس لواحد من القول والفعل تعلق بالأمة .

            [ ص: 510 ] وإن كان القول خاصا به وتقدم على الفعل ، مثل أن يقول : يجب علي فعل كذا في وقت كذا ، ثم اشتغل بضد مقتضى القول قبل التمكن من الإتيان بمقتضاه ، ففيه خلاف .

            فعندنا الفعل ناسخ للقول ، بناء على جواز النسخ قبل التمكن . وعند المعتزلة لا يتصور صدور مثل هذا الفعل بعد القول إلا على سبيل المعصية ; لأن النسخ قبل التمكن غير جائز عندهم .

            وإن كان الفعل بعد التمكن من مقتضى القول ، لا يكون الفعل ناسخا للقول ، إلا أن يدل دليل على وجوب تكرر مقتضى القول ، فإنه حينئذ يكون الفعل ناسخا لتكرار مقتضى القول .

            وإن كان القول خاصا به وجهل التاريخ ، فحكمه مثل القسم الذي دل دليل على وجوب التكرر والتأسي به ، والقول خاص به وجهل التاريخ . وإنما لم يتعرض المصنف [ له لذلك ] .

            [ ص: 511 ] وإن كان القول خاصا بنا فلا تعارض أصلا ، سواء تقدم الفعل أو تأخر ; لعدم اجتماع القول والفعل في محل واحد ; لأن الفعل خاص به ; إذ لا دليل على وجوب التأسي به ، والقول خاص بنا .

            وإن كان القول عاما لنا وله ، فلا يخلو إما أن يكون القول شاملا له بطريق التنصيص ، مثل أن يقول وجب علي وعلى أمتي فعل كذا ، فحكم تقدم القول أو الفعل له وللأمة كما تقدم ، أي إن كان القول متأخرا ، كأن فعل فعلا ثم قال بعده : لا يجوز لي ولأمتي مثل هذا الفعل في ذلك الوقت ، فلا تعارض أصلا ، لا في حقه ولا في حقنا ; لعدم وجوب تكرار الفعل ، ولعدم وجوب التأسي به .

            وإن كان الفعل متأخرا فلا تعارض بالنسبة إلينا ; بعدم وجوب التأسي . وأما بالنسبة إليه ، فإن كان التلبس بالفعل قبل التمكن فعلى الخلاف . فعندنا نسخ وعند المعتزلة لا يتصور الفعل إلا على سبيل المعصية .

            وإن كان بعد التمكن ، فلا تعارض بالنسبة إليه أيضا إلا أن يقتضي القول التكرار .

            وإن كان القول شاملا للرسول - عليه السلام - بطريق ظاهر ، أي لا بصريحه ، مثل أن يقول : وجب على المسلمين كذا . فبالنسبة إلينا كما تقدم ، وبالنسبة إليه يكون الفعل مخصصا لذلك القول ، كما سيأتي في باب التخصيص أن فعله - صلى الله عليه وسلم - مخصص للعموم .

            [ ص: 512 ]



            الخدمات العلمية