الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              خاتمة

                                                                                                                                                                                                                              وجمع من العلماء لم تقو عندهم هذه المسالك فأبقوا حديث مسلم ونحوه على ظاهرها من غير عدول عنها بدعوى نسخ ولا غيره، ومع ذلك قالوا: لا يجوز لأحد أن يذكر ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي في الروض الأنف بعد إيراده حديث مسلم : وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات"

                                                                                                                                                                                                                              وقال تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله الآية.

                                                                                                                                                                                                                              وسئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية رحمه الله تعالى عن رجل قال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار. فأجاب: بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه: أنه في النار.

                                                                                                                                                                                                                              ومن العلماء من ذهب إلى قول خامس وهو الوقف. قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه "الفجر المنير": الله أعلم بحال أبويه صلى الله عليه وسلم. وقال الباجي في شرح الموطأ: قال بعض العلماء: أنه لا يجوز أن يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم بفعل مباح ولا غيره، وأما غيره من الناس فيجوز أن يؤذى بمباح وليس له المنع منه، ولا يأثم فاعل المباح وإن وصل ذلك إلى أذى غيره. قال: ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إذ أراد علي ابن أبي طالب أن يتزوج ابنة أبي جهل: "إنما فاطمة بضعة مني وإني لا أحرم ما أحل الله، ولكن لا والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل أبدا".

                                                                                                                                                                                                                              فجعل حكمها في ذلك حكمه أنه لا يجوز أن تؤذى بمباح. واحتج على ذلك بقوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا فشرط على المؤمنين أن يؤذوا بغير ما اكتسبوا. وأطلق الأذى في خاصة النبي صلى الله عليه وسلم من غير شرط. انتهى. [ ص: 261 ] وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي عتبة قال: حدثنا نوفل بن الفرات. وكان عاملا لعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه. قال: كان رجل من كتاب الشام مأمونا عندهم استعمل رجلا على كورة الشام وكان أبوه يزن بالمانية فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال: ما حملك على أن تستعمل رجلا على كورة من كور المسلمين كان أبوه يزن بالمانية؟ قال: أصلح الله أمير المؤمنين وما علي من كان أبوه كان أبو النبي صلى الله عليه وسلم مشركا. فقال عمر آه. ثم سكت ثم رفع رأسه ثم قال: أأقطع لسانه؟ أأقطع يده ورجله؟ أأضرب عنقه؟ ثم قال: لا يلي شيئا ما بقيت.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد سئلت أن أنظم في هذه المسألة أبياتا أختم بها هذا التأليف فقلت:

                                                                                                                                                                                                                              إن الذي بعث النبي محمدا أنجى به الثقلين مما يجحف     ولأمه وأبيه حكم شائع
                                                                                                                                                                                                                              أبداه أهل العلم فيما صنفوا     فجماعة أجروهما مجرى الذي
                                                                                                                                                                                                                              لم يأته خبر الدعاة المسعف     والحكم فيمن لم تجئه دعوة
                                                                                                                                                                                                                              أن لا عذاب عليه حكم يؤلف     فبذاك قال الشافعية كلهم
                                                                                                                                                                                                                              والأشعرية ما بهم متوقف     وبسورة الإسراء فيه حجة
                                                                                                                                                                                                                              وبنحو ذا في الذكر آي تعرف     ولبعض أهل الفقه في تعليله
                                                                                                                                                                                                                              معنى أدق من النسيم وألطف     ونحا الإمام الفخر رازي الورى
                                                                                                                                                                                                                              منحى به للسامعين تشنف     إذ هم على الفطر الذي ولدوا ولم
                                                                                                                                                                                                                              يظهر عناد منهم وتخلف     قال الألى ولد النبي المصطفى
                                                                                                                                                                                                                              كل على التوحيد إذ يتحنف     من آدم لأبيه عبد الله ما
                                                                                                                                                                                                                              فيهم أخو شرك ولا مستنكف     فالمشركون كما بسورة توبة
                                                                                                                                                                                                                              نجس وكلهم بطهر يوصف     وبسورة الشعراء فيه تقلب
                                                                                                                                                                                                                              في الساجدين فكلهم متحنف     هذا كلام الشيخ فخر الدين في
                                                                                                                                                                                                                              أسراره هطلت عليه الذرف     فجزاه رب العرش خير جزائه
                                                                                                                                                                                                                              وحباه جنات النعيم تزخرف     فلقد تدين في زمان الجاهل
                                                                                                                                                                                                                              ية فرقة دين الهدى وتحنفوا     زيد بن عمرو بن نوفل هكذا الصد
                                                                                                                                                                                                                              يق ما شرك عليه يعكف     قد فسر السبكي بذاك مقالة
                                                                                                                                                                                                                              للأشعري وما سواه مزيف [ ص: 262 ]     إذ لم تزل عين الرضا منه على ال
                                                                                                                                                                                                                              صديق وهو بطول عمر أحنف     عادت عليه صحبة الهادي فما
                                                                                                                                                                                                                              في الجاهلية للضلالة يقرف     فلأمه وأبوه أحرى سيما
                                                                                                                                                                                                                              ورأت من الآيات ما لا يوصف     وجماعة ذهبوا إلى إحيائه
                                                                                                                                                                                                                              أبويه حتى آمنا لا خرفوا     وروى ابن شاهين حديثا مسندا
                                                                                                                                                                                                                              في ذاك لكن الحديث مضعف     هذي مسالك لو تفرد بعضها
                                                                                                                                                                                                                              لكفى فكيف بها إذا تتألف     وبحسب من لا يرتضيها صمته
                                                                                                                                                                                                                              أدبا ولكن أين من هو منصف     صلى الإله على النبي محمد
                                                                                                                                                                                                                              ما جدد الدين الحنيف محنف

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية