الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ابن فهر

                                                                                                                                                                                                                              فهر بكسر الفاء وسكون الهاء فراء منقول من الفهر، وهو من الحجارة الطويل. قاله السهيلي . قال الخشني : الفهر حجر ملء الكف يذكر ويؤنث وفي "تقويم المفسد" عن الأصمعي: من أنث الفهر أخطأ.

                                                                                                                                                                                                                              وكنيته أبو غالب. وأمه جندلة، بجيم فنون ساكنة فدال مهملة، بنت عامر بن الحارث ابن مضاض الجرهمي، وكان رئيس أهل مكة وكان له من الولد: غالب، وأسد، وعوف. وجون، وريص والحارث، بطن، ومحارب، بطن، وهما من قريش الظواهر. وقيس. وهو قريش في قول أبي بكر محمد بن شهاب الزهري ونسبه البيهقي والحافظ لأكثر أهل العلم.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن شهاب: وهو الذي أدركت عليه من أدركت من نساب العرب : أن من جاوز فهرا فليس من قريش. وبه قال الشعبي وهشام بن محمد الكلبي، ومصعب بن عبد الله الزبيري وخلق، وصححه الحافظ شرف الدين الدمياطي والحافظ أبو الفضل العراقي وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 281 ] قال الحافظ صلاح الدين بن العلائي: وعليه جمهور أهل النسب.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إن قريشا هم بنو النضر بن كنانة. وإليه ذهب محمد بن إسحاق، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبيد القاسم بن سلام. وبه قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وعنهم وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ صلاح الدين العلائي: وهو الصحيح الذي عليه المحققون والحجة له حديث الأشعث بن قيس رضي الله تعالى عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة فقلت: ألستم منا يا رسول الله؟ قال: "لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا".

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن ماجة. قال العلائي رجاله ثقات.

                                                                                                                                                                                                                              ووجه الدلالة منه ظاهر. أي لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إن قريشا بنو إلياس بن مضر . نقله الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر عن التميمية وصححه قال: وهو اختيار أبي عمرو بن العلاء وأبي الحسن الأخفش وحماد ابن سلمة وعبيد الله بن الحسن بن سوار. وروى مثله عن أبي الأسود الدؤلي. [ ص: 282 ] وقيل إنهم جميع بني مضر بن نزار. ونقله الأستاذ عن القيسية وبه قال مسعر بن كدام. وروى مثله عن حذيفة بن اليماني رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل إنهم بنو قصي بن كلاب. حكاه الماوردي وأبو عمرو بن الأثير في الجامع وغيرهما وهو قول المبرد. قال في النور: وهو قول باطل. وكأنه قول رافضي، لأنه يقتضي أن يكون أبو بكر وعمر ليسا من قريش، وإذا لم يكونا من قريش فإمامتهما باطلة، وهذا خلاف إجماع المسلمين. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا لم سمي بقريش على أقوال: أحدها بدابة عظيمة في البحر من أقوى دوابه سميت به قريش لقوتها لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى. قاله ابن عباس حين سأله معاوية ، واستشهد له بقول الشاعر الجمحي:

                                                                                                                                                                                                                              وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا     سلطت بالعلو في لجة البحر
                                                                                                                                                                                                                              على ساكني البحور جيوشا     تأكل الغث والسمين ولا تت
                                                                                                                                                                                                                              رك يوما لذي الجناحين ريشا     هكذا في العباد حي قريش
                                                                                                                                                                                                                              يأكلون البلاد أكلا كشيشا     ولهم في آخر الزمان نبي
                                                                                                                                                                                                                              يكثر القتل فيهم والخموشا     تملأ الأرض خيله ورجال
                                                                                                                                                                                                                              يحشرون المطي حشرا كميشا

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن عساكر : وروى ابن أبي شيبة أن ابن عباس سأله عمرو بن العاص: لم سميت قريش قريشا ؟ قال: بالقرش دابة تأكل الدواب لشدتها. وإلى هذا القول ذهب محمد بن سلام، ورجحه أبو بكر بن الأنباري. وقال المطرزي رحمه الله تعالى عن هذه الدابة: إنها ملكة دواب البحر وأشدها، فكذلك قريش سادات الناس. [ ص: 283 ] وقيل سموا قريشا لأنهم كانوا يتجرون ويأخذون ويعطون، من قولهم قرش الرجل يقرش إذا اتجر وأخذ وأعطى وقيل إنما سميت قريشا من الإقراش وهو وقوع الرايات والرماح بعضها على بعض. وقيل إنها سميت قريشا من التقريش وهو التحريش. حكاه ابن الأنباري.

                                                                                                                                                                                                                              [وقيل: من تزيين الكلام وتحسينه] .

                                                                                                                                                                                                                              قال الزجاجي: وهو بعيد لأن المعروف في اللغة أن التقريش هو التحريش لا أن التقريش هو تزيين الكلام وتحسينه. وقيل إنما سميت قريشا ، من التقريش وهو التفتيش، لأنهم كانوا يفتشون عن ذي الخلة ويسدون خلته. ذكره بعض العلماء.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل إنما سميت قريشا بقريش ابن بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة، فكان دليل بني النضر وصاحب مبرتهم، وكانت العرب تقول: قد جاءت عير قريش، وخرجت عير قريش.

                                                                                                                                                                                                                              نقله أبو عمرو وغيره. وهو ما يعضد قول ابن إسحاق.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل إنما سميت قريشا لما جمعهم قصي بن كلاب حين قدم مكة كما تقدم، والتقرش: التجمع. نقله أبو عمرو وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              إذا علم ذلك: فقريش فرقتان: بطاح. وظواهر. فقريش البطاح: من دخل مكة مع قصي الأبطح. والظواهر: من أقام. بظواهر مكة ولم يدخل الأبطح ولهذا مزيد بيان في اسمه الأبطحي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              والنسبة إلى قريش: قرشي وقريشي والثاني هو القياس.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف القائلون أن فهرا هو قريش . هل الأول اسم، والثاني لقب؟ أو بالعكس. قولان رجح الزبير وغيره أن فهرا لقب وأن الاسم الذي سمته به أمه: قريش . والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                              وله من الذكور سبعة: غالب، والحارث، وأسد، وعوف، وريث، وجون ومحارث. ومن الإناث واحدة وهي جندلة.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية